lundi 23 mars 2020

محور في حوار الحضارات/ بكالوريا الشعب العلمية والاقتصادية

·      المدخل العامّ
          عاشت الإنسانيّة في النّصف الأوّل من القن العشرين على وقع حربين عالميّتين مدمّرتين خلّفتا ملايين الضّحايا من القتلى والجرحى والمشرّدين، وتوّجت الثّانية منهما بتأسيس منظّمة الأمم المتّحدة التي أريد لها أنْ راعية السّلم والأمن العالميّين، وفضّ النّزاعات بالطّرق السّلميّة، دافعة للتّعاون بين الدّول، ولكنْ سرعان ما ظهرت الحرب الباردة بين المعسكرين الغربيّ الرّأسماليّ بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، والمعسكر الشّرقيّ الاشتراكيّ بقيادة الاتّحاد السّوفياتيّ (السّابق)، وكان العالم في هذه الفترة يحبس الأنفاس خوفًا منْ اندلاع حرب عالميّة ثالثة ستكون أشدّ كارثيّة لامتلاك المعسكرين أسلحة نوويّة قادرة على وضح حدّ للحياة في العالم كلّه، ثمّ زال هذا الكابوس بانهيار الاتّحاد السّوفياتيّ، وتفكّك المعسكر الشّرقيّ في بداية تسعينيّات القرن العشرين، وظهرت فكرة النّظام العالميّ الجديد الذي تسوده فكرة العولمة التي اعتبرها المنظّرون لها وسيلة تحقيق التّقارب الحقيقيّ بين الشّعوب والأمم، وتحقيق التّقدّم المتكافئ لكلّ الدّول، وبشّرت العولمة بعصر جديد ينتهي فيه الصّراع الحضاريّ، ويصبح التّكامل هو المبدأ السّائد في العالم، وعلّقت عليه الشّعوب آمالاً عريضة لأنّها بشّرت بالتّعاون الاقتصاديّ المثمر الذي تغادر فيه الدّول الفقيرة التّخلّف الاقتصاديّ، وتتخلّص من الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تجعلها في تبعيّة دائمة للدّول المتقدّمة، ولكنْ تخيب التّوقّعات مرّة أخرى، إذْ تتحوّل العولمة إلى نوع جديد من الهيمنة التي تمارسها القوى العظمى على الدّول الصّغرى، وتتّسع الهوّة بين دول الشّمال المتقدّم علميًّا وتكنولوجيًّا واقتصاديًّا ودول الجنوب المتخلّفة، وتصبح الدّول العظمى ساعية إلى فرض نمطها الحضاريّ على كلّ دول العالم، وتحويله إلى نمط عالميّ أوحد، فتنتشر مشاعر الحقد والكراهيّة والتّعصّب ونبذ الآخر وازدرائه منْ جديد، وتنشط الحروب التي تندلع في دول العالم الثّالث، وتظهر العمليّات الإرهابيّة الانتقاميّة في الدّول الغربيّة وكان أعظمها تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتّحدة التي أعطتْ إشارة انطلاق حروب صدام الحضارات، ويعود ذلك كلّه إلى أنّ سياسات الدّول خاضعة في أغلب الأحيان لمراكز النّفوذ الماليّ في العالم التي تسعى إلى تحقيق مصالحها ومصالح دولها متجاهلةً كلّ القيم الأخلاقيّة، وهذه الفكرة يؤكّدها تنامي تجارة الأسلحة في العالم في العقود الثّلاثة الأخيرة، وترتّب عنْ كلّ ذلك موقفان متعارضان، موقف يعتبر العولمة فرصة لتحقيق التّقارب الدُّوليّ رغم بعض المخاطر، وموقف يعتبرها شرًّا مطلقًا، والحقّ أنّه لا يمكن أنْ ننكر أنّ الفاعلين الغربيّين في العالم يسعون بكلّ الطّرق إلى فرض نمطهم الحضاريّ (اللّغة، الفكر، الفنّ، نمط العيش...) على بقيّة الشّعوب، ويعتبرونه النّمط الأرقى، معتبرين الثّقافات الأخرى بدائيّة متخلّفة...
ومنْ هذا الواقع الجديد الذي فرضته العولمة ظهرت فكرة حوار الحضارات التي آمن بها المفكّرون والأدباء والفلاسفة والفنّانون ودعاة السّلام للتّقريب بين الشّعوب، وتنمية العلاقات بين الثّقافات بعيدًا عن الهيمنة والازدراء والتّعصّب، لكنّ هذه الفكرة مازالت متعثّرة جدًّا نظرًا للعوائق الكثيرة، وعدم توفّر الشّروط الموضوعيّة، وبسبب وجود أطراف متعدّدة في كلّ العالم متورّطة في العنف، ساعيّة بكلّ الوسائل اللاّأخلاقيّة لإذكاء روح العداء بين الحضارات، واستغلال الاختلافات الثّقافيّة المتعدّدة الوجوه لإشعال نيران الفتن...
ملاحظة: هذا جزء من كتابي الصّادر مؤخّرًا عن دار زينب للنّشر
Aucune description de photo disponible.

Aucun commentaire: