jeudi 29 mai 2008

توصيف المادة



تعتبر الحصّة الأولى التي يلتقي فيها الأستاذ مع تلامذته في بداية السّنة الدّراسيّة حصّةً تأسيسيّة، فعليها يُبنى برنامج العمل الذي يسعى إلى السّير على منواله طوال تلك السّنة، مع التّعديل والتّحسين كلّما تطلّب الأمر ذلك، لاسيّما وأنّ العمليّة الدّراسيّة ليست عملاً محنّطًا متحجّرًا، بل إنّ الأستاذ ليجد نفسه مضطرًّا باستمرار إلى إعادة النّظر في مسائل عديدة، وذلك نظرًا لمستوى القسم الذي يدرّسه، أو بعض التّلاميذ المتميّزين أكثر من غيرهم، والتّلاميذ الذين هم في درجة أقلّ من زملائهم ويحتاجون إلى عناية خاصة، وإلى برنامج عمل خصوصي، فالأستاذ يحتاج إذنْ إلى ضرورة التّعرف إلى أولئك المتعلّمين الذين يجلسون أمامه منتظرين التّعرّف إلى ملامح هذا الكائن البشري والتّعليمي والمعرفي الذي سيتعاملون معه هذه السّنة، ويطلبون منه الإضافات والإفادات، ويريدون التّعرّف إليه من قريب، ويجمعون عنه معلومات إنْ كانوا لا يعرفونه، أو يختبرون المعلومات التي يعرفونها عنه من زملائهم السّابقين، ولكي يكوّن الأستاذ فكرة أوّليّة عن تلاميذه في الحصّة الأولى فهو يسأل كلّ واحد منهم عن اسمه ولقبه ومقرّ سكناه ووالديه ووظيفتيهما، ويمكنه أنْ يسأله عن الأستاذ الذي درّسه المادة المعنيّة في السّنة الماضية، ومستواه العلمي فيها، ولابدّ أنْ يقترب من مكان جلوس التّلميذ حتّى لا يشعره بالتّعالي والتّفوّق الاجتماعي ولكنْ مع المحافظة على الأدوار الطّبيعيّة والالتزام بآداب التّعامل التي يفرضها قانون المؤسّسة التّعليميّة، وعادات المجتمع وعاداته التّربويّة والسّلوكيّة، والإبقاء على لباقة التّعامل وبيداغوجيا التّواصل مع الآخر، والأخذ بعين الاعتبار المرحلة العمريّة التي يمرّ بها ذلك المتعلّم، ومن الضّروري أيضًا أنْ يكوّن الأستاذ فكرة أوّليّة عن المستوى الاجتماعي للتّلاميذ حتّى لا يحرج ذوي الامكانيّات المحدودة ببعض الطّلبات التي لا يقدرون عليها، كأنّ يكلّفهم بإنجاز بحوث على الكمبيوتر واستخراج الوثائق من الأنترنات.
كما أرى أنّ الأستاذ لابدّ أنْ يشعر التّلاميذ بالأمان وهم معه في حصّته لاسيّما وأنّ المسيرة ستكون طويلة نسبيًّا معهم، فهم سيقضّون معه تسعة أشهر كاملة، كما لابدّ عليه أنْ ينبّههم إلى آداب التّعامل التي يجب الحفاظ عليها حتّى يُحترم الدّرس ويصان المدرّس وتُقدّر المدرسة حقّ قدرها خاصة في هذا العالم المتغيّر الذي بدأت فيها القيم تتشكّل تشكّلاً جديدًا، لا بدّ للمدرّس أنْ لا يظهر أمام تلاميذه في صورة الدّيكتاتور الذي لا يؤمن إلاّ بسلطته، وينفّذ القوانين المدرسيّة بحذافرها، ولا يتجاوز بعض الأخطاء والهفوات إنْ أمكن له تجاوزها، وهو الجدّي الحازم الذي لا يسمح بابتسامة أو ضحكة عابرة أو التفاتة أو تعليق ما في غير محلّه، أو تأخّر تلميذ عن موعد بدأ الحصّة، أو عدم إنجاز أحدهم الواجب المدرسي المكلّف به، لابدّ أنْ يكون الأستاذ ليّنًا ما أمكنه ذلك دون أنْ يفقد هيبته واحترام المتعلّمين له، ويجب أنْ ينبّههم إلى أنه سيغضّ النّظر عن بعض تصرّفاتهم حبًّا لهم واحترامًا لكيانهم البشري ومراعاة لظروفهم الاجتماعيّة والنّفسيّة ومرحلتهم العمريّة والذّهنيّة، فالأستاذ يمكن أنْ يقبل قدوم تلميذ ما متأخّرًا عن موعد بدأ الحصّة بعشر دقائق لأنّه يدرك مشكلة المواصلات في مدننا في الصّباح، دون أنْ تصبح تلك عادته كلّ يوم. كما على هذا المدرّس أنْ يحذر الظّهور أمام التّلاميذ في صورة الشّخص الذي لا يولي القوانين الاجتماعيّة والمدرسيّة والتّربويّة أيّ اعتبار، وهو المتساهل مع الجميع على الدّوام، لأنّ ذلك من شأنه أنْ يعطي للتّلاميذ فكرة مغلوطة عنه شخصيّة الأستاذ، وسيستهينون به وبمادته وبالبرامج الدّراسيّة التي ينجزها، بل لعلّ بعض التّلاميذ يرونه مازحًا غير جدّي، متسيّبًا غير حازم، لاهيًا غير مهتمّ بوظيفته، إنّ عليه في هذه الحصّة الأولى أنْ يشعرهم أنّه سيكون صديقهم وعونهم وسندهم في كلّ شيء إذا ما قدّروا ذلك، كما يمكن أنْ يكون الجلاّد إذا لم يُحكموا آليّات التّعامل معه، وحاولوا التّطاول وتجاوز آداب التّعامل وفروقات الدّرجات العلميّة والعمريّة.
ثمّ وبعد الخطوة السّابقة الذّكر والتي أعتبرها مهمّة جدًّا يعطي فكرة عن محتوى المادة، وفروعها ومحاورها المختلفة، والطّريقة التي سيعتمدونها في التّعلّم وتحصيل المعارف، ويشير إليهم بضرورة أنْ يكونوا المساهم الأوّل في العمليّة التّعلّميّة (L’aprantissage)، لأنّ التّعليم في المدرسة الحديثة لم يعد قائمًا على مدرّس يُلقي المعارف ومتعلّم يتلقّى ويستهلك ثمّ يعيد ما تعلّم يوم الاختبار، ولم يعد أنجب النّجباء هو ذلك الذي يحسن إعادة المادة كما أُلقيت عليه، ولم يعد أحسن الأساتذة هو ذلك الذي يملك زادًا معرفيًّا أكثر من غيره، إنّ أحسن الأساتذة اليوم وحسب تجربتي في المعاهد الثّانويّة وفي مناطق مختلفة ومع مستويات تعليميّة متنوّعة، ومستويات اجتماعيّة متعدّدة هو ذلك الشّخص الذي يُحسن التّعامل مع كلّ أصناف المتعلّمين ومن مختلف الشّرائح، كما يُتقن بيداغوجيا التّواصل جيّدًا، ويُحسن تقديم المعلومات ويُكيّفها ويُبسّطها، ويُيسّر عمليّة التّمدرس بصفة عامة، ويرتقي بكلّ المستويات، كما يقنع الأستاذ المتعلّمين بأنّه على استعداد دائمًا إلى ابتكار الطّرق التّعليميّة من أجل تحقيق المصالح المشتركة، وتجديدها والبحث عن أفضلها، فهو ليس أستاذًا خشبيًا لا يتغيّر، أو دينصورًا يفرض نفسه على الآخرين. إنّ الأستاذ في الحصّة الأولى يحدّد أهداف برنامجه للتّلاميذ بوضوح، ويقدّم لهم صورة شفّافة عن نفسه حتّى لا يخطئوا في التّعامل معه، ويجمع صورًا أوّليّة لهم حتّى يدرك ما هو مقدم عليه في قادم الأيّام
.