lundi 23 mars 2020

لذّة المسرح، قراءة في مسرحيّة "مغامرة رأس المملوك جابر" لسعد الله ونّوس.


·        عنوان البحث
     لذّة المسرح، قراءة في مسرحيّة "مغامرة رأس المملوك جابر" لسعد الله ونّوس[1].
·        الكاتب
عبد الوهّاب الشتيوي، الجمهوريّة التّونسيّة.
أستاذ أوّل مميّز درجة استثنائيّة للّغة والآداب والحضارة العربيّة بمعهد الحبيب ثامر بصفاقس، ماجستير في الأدب العربيّ منْ كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس سنة 2010 ببحث "الإيقاع والصّورة في قصيدة النتّر، ديوان "الوليمة" لأنسي الحاج منطلقًا".
يعدّ رسالة دكتوراه بعنوان "خصائص الكتابة الشّعريّة عند منصف الوهايبيّ" بإشراف الأستاذ الطّاهر بن يحيى بكليّة منّوبة.
·       ملخّص البحث
     حاولنا في هذا البحث تبيّن خصائص الكتابة عند سعد الله ونّوس في "مغامرة راس المملوك جابر التي حقّقت "اللّذّة" بمفهومها الأدبيّ منْ خلال التّلقّي، وهي المتعة التي تتحقّق للمتقبّل قارئًا للنّصّ الأصليّ المكتوب، أو مشاهدًا للنّص التّمثيليّ المنبثق عبر الفرجة عن النّصّ الأصليّ، واستجلاء عناصر الطّرافة والغرابة والدّهشة، ومظاهر العدول التي أحدثها سعد الله ونّوس، وتقصّي مكامن الإمتاع التي قصد إدراكها، وقد وضعنا للبحث مقدّمات أساسيّة لوضع مسرح ونّوس في إطاره المسرحيّ العربيّ والعالميّ، والإطار التّاريخيّ الذي تفاعلت معه المسرحيّة، ومنه انبثقت.
·        الكلمات المفتاحيّة
لذّة المسرح ـ سعد الله ونّوس ـ المسرح التّسييسيّ ـ برتولت برشت ـ المسرح التّراجيديّ ـ المسرح الملحميّ ـ الأصالة والحداثة في المسرح ـ المسرح العربيّ ـ التغريب.

------------------------------------
لذّة المسرح
قراءة في مسرحيّة "مغامرة رأس المملوك جابر" لسعد الله ونّوس
عبد الوهاب الشتيوي[2]
تصدير
"إنّ المسرح في الواقع هو أكثر منْ مكان للفنّ، إنّه ظاهرة حضاريّة مركّبة سيزداد العالم وِحشةً وقبحًا وفقرًا لوْ أضاعها وافتقر إليها"[1].
·        مدخل
لقد عرفت الحركة المسرحيّة العربيّة في النّصف الثّاني من القرن العشرين كاتبًا عربيًّا مجدّدًا جريئًا يُدعى سعد الله ونّوس (1941 ـ 1997)، أراد أنْ يقدّم للأمّة العربيّة مشروعًا مسرحيًّا جديدًا متكاملاً من حيث التّأليف والإخراج الفنّيّ والمضمونيّ والأداء التّمثيليّ والبعد الدّلاليّ، رغم أنّه ظلّ مغمورًا منسيًّا في أغلب الأقطار العربيّة لنزوع الثّقافة العربيّة ببعدها التّقليديّ إلى التّشبّث بالرّموز الأدبيّة الرّائدة وعدم الانتباه إلى نشأة رموز أخرى تستحقّ الاهتمام والتّقدير، وقام مشروع سعد الله ونّوس بالأساس على الخروج عن الأنماط المسرحيّة الرّائجة في السّاحة الثّقافيّة العربيّة وبثّ الرّوح الحداثيّة في المشهد الثّقافيّ، وجعل المسرح يستعيد ألقه منْ خلال تحويله إلى ظاهرةً ثقافيّة تحقّق وظيفته الفنيّة الإمتاعيّة، وتحمل أفكارًا تقدّميّة جريئة تؤدّي بعدها التّعليميّ والتّثقيفيّ في مجتمع تعيش فيه الثّقافة حالةً من الجمود والكساد، فيعيد العلاقة بين المسرح والجمهور إلى طبيعتها، ويرسّخ المسرح منافسًا للشّعر والسّرد.
        وكان ونّوس بهذا المشروع يسعى إلى تكريس حضور المسرح باعتباره حدثًا اجتماعيًّا، وثقافيًّا، ويسعى "إلى دفع الجمهور إلى فضاء المسرح ليبحث عن دور له في هزائم الواقع وانتصاراته"[2]، وكانت مسرحيّته "مغامرة رأس المملوك جابر" من أهمّ المسرحيّات التي ألّفها في بداية سبعينيّات القرن العشرين، وكانت تعبيرًا عن الصّدمة الفكريّة والنّفسيّة التي أصابت المثقّفين العرب بعد نكسة (أو هزيمة) جوان 1967، واقتبس أحداثها من قصّة قديمة جرت في القرن السّابع للهجرة قبيل غزو المغول لبغداد وأثناءه، فكانت رؤيته للتّاريخ نقديّة تعليميّة، وعمل على نقد الحاضر العربيّ البائس الذي تسيطر عليه روح الهزيمة والانكسار انطلاقًا من الماضي القديم المثقل بدوره بالهزائم المدوّيّة.
        وكان ونّوس عند تأليف هذه المسرحيّة متأثّرًا بمسرح الكاتب المسرحيّ الألمانيّ "برتولت برشت" (Bertolt Brecht)  الملحميّ التّسييسيّ، متجاوزًا أصول المسرح التّقليديّ التّراجيديّ الذي لم يعد بإمكانه ـ بحسب ما يرى ـ أنْ يواكب التّحوّلات المجتمعيّة والسّياسيّة والفكريّة، ولم يعد قادرًا على المساهمة في حركة التّغيير التّاريخيّ، وتقديم الرّسالة المنوطة بعهدته.
        وتحاول هذه الدّراسة تبيّن كيفيّات تحقيق هذا النّصّ المسرحيّ "اللّذّة" وذلك بالبحث في عناصر الطّرافة والغرابة والدّهشة، وتقصّي مكامن الإمتاع التي قصد سعد الله ونّوس إدراكها، ولذّة النّصّ هي المتعة التي تتحقّق للمتقبّل قارئًا للنّصّ الأصليّ المكتوب، أو مشاهدًا للنّص التّمثيليّ المنبثق عبر الفرجة عن النّصّ الأصليّ.
       I.            المسرح الملحميّ البرشتيّ
يمثّل الإنتاج المسرحيّ للكاتب والممثّل والمسرحيّ الألمانيّ "برتولت برشت" (1898 ـ 1956) تراثًا مسرحيًّا إنسانيًّا زاخرًا بالخصائص الفنيّة الحديثة، والقضايا الجريئة، وقد وُلد هذا النّمط المسرحيّ في فترة تاريخيّة متميّزة بالاضطرابات السّياسيّة العالميّة المتلاحقة بسبب تنامي الصّراع الحادّ بين قوى الاستغلال والاستبداد، والقوى الثّوريّة المضطهدة الباحثة عن أدوات التّحرّر والانعتاق، وقد تجاوز "برشت" المسرح الأرسطيّ أوّلاً بتجاوز الصّراع الميتافيزيقيّ مع الآلهة، وجعله صراعًا واقعيًّا بين قوى الظّلم والاستغلال، والجماهير المستغلّة، "إنّ مسرح "برشت" لمْ يعدْ مثل مسرح أرسطو يعتمد على القدر والآلهة التي يخضع لها مصير الإنسان، بلْ هو مسرح الرّجالات والبطولات، وهو أيضًا مسرح بطوليّ وجدليّ وملحميّ"[3]، فوجد ضالتّه في الملحمة لأنّها تعبّر عن الصّراع بين الإنسان والإنسان، أيْ مصارعة الإنسان لواقعه الاجتماعيّ، وظروفه الماديّة التي جعلته رهينة عند قوى الاستغلال والاستبداد، والملحميّ يعني عند "برشت" تتابع أحداث أساسيّة وفرعيّة تُسرد دون شرط التّقيّد بزمان أو مكان أو عقدة واحدة، وقد جعل المسرح الملحميّ أداة للتّغيير والتّثوير، وإكساب الجمهور القدرة على الفهم واكتساب الوعي والنّقد والاحتجاج، ومعرفة أسباب الضّعف والاستغلال في واقعه، ويصبح الجمهور فاعلاً في المشهد الاجتماعيّ، قادرًا على المساهمة في الحياة السّياسيّة، ويتخلّص من السّلبيّة التي رافقت الجماهير في العصور القديمة.
ومن أهمّ خصائص هذا المسرح الملحميّ الذي أعدّ له "برشت" العدّة:
‌أ.       المسرح يروي الحدث ولا يجسّده (ولذلك اختار سعد الله ونّوس شخصيّة الحكواتي).
‌ب.  يجعل المتقبّل متأمّلاً ناقدًا غير مندمج فيه، أو متماهيًا مع البطل.
‌ج.    لا ينتزع من المتقبّل مشاعر وأحاسيس، بل ينتزع منه مواقف وأحكامًا نقديّة.
‌د.      يجعل المتقبّل يعارض الحدث.
‌ه.   يجعل الإنسان موضوع البحث.
‌و.     يجعل الأحداث تجري بطريقة منحرفة، وغير متوقّعة.
‌ز.     يهتمّ بالإنسان في سيرورته، وليس في ثباته.
الكائن الاجتماعيّ يحقّق وجوده بالتّفكير والفعل، وليس بإرثه.
ويتميّز المسرح الملحميّ "البرشتيّ" من النّاحية الفنيّة بظاهرة التّغريب، والتي يسمّيها بعضهم "التّبعيد"، ويعني التّغريب أنْ تكون كلّ العناصر في المسرحيّة داعيّة إلى الدّهشة، مولّدة للغرابة، و"جعل المألوف غريبًا منْ أجل خلق حالة من الانفصال بين المشاهد والمسرح، لمنع توحّد المشاهد بالممثّل"[4]، و"يعتمد على خلق واقع متخيّل يعادل الواقع الرّاهن الذي يريد الكاتب أنْ يرصده"[5]، وأهمّ مظاهر التّغريب كسر الإيهام، أيْ إنّ "برشت" سعى إلى تحطيم اندماج الجمهور في العمل المسرحيّ من خلال التّماهي مع أحد الممثّلين وخاصّة البطل.
وقد أعدّ "برشت" لهذا المسرح الملحميّ نظريّة متكاملةً عالج من خلالها كافّة أبعاد العمل المسرحيّ، من كتابة النّصّ، وإعداد العمل للعرض الفرجويّ، والإخراج، وأشكال الأداء، والدّيكور، والمؤثّرات الصّوتيّة والمرئيّة، مستفيدًا في هذا المجال من أفكار المسرحيّ الإيطاليّ "بيسكاتور" والذي كان مشغولاً بتغيير  الشّكل المسرحيّ التّقليديّ، ومضمونه، ووظيفته، وأراد تعديل وظيفة المسرح التّقليديّة من التّطهير والتّصعيد، إلى التّفكير واكتساب الوعي وامتلاك العقلنة، وإدراك ملابسات الواقع الإنسانيّ المعيش، والبحث في التّناقضات الاجتماعيّة، من أجل اتّخاذ موقف نقديّ جريء يدفعه إلى تجاوز التّخدير البرجوازيّ الاستغلاليّ، والتّحرّر من الظّلم والاستبداد، وجعله كائنًا فاعلاً في التّاريخ، مساهمًا في حركة التّحرّر الإنساني العام، فاعلاً في حركة التّغيير الثوريّ.
غير أنّ هذا الهاجس السّياسيّ الثّوريّ الذي ألحّ على "برشت" في أعماله المسرحيّة لا يعني أنّ المسرح الملحميّ عمل إيديولوجيّ تعليميّ بحت خالٍ من العناصر الفنّيّة الممتعة، بل على العكس منْ ذلك فـ"المسرح الملحميّ هو مسرح فنّيّ بمعنى الكلمة، لا يمكن التّفكير فيه بغير الفنّانين والخيال والأصالة الفنّيّة والفكاهة وروح الزّمالة، وهو يتعذّر على الممارسة دون هذه العناصر وغيرها، أيضًا لا بدّ أنْ يكون ممتعًا وتعليميًّا"[6].
                    II.          المسرح العربيّ بين جيلين
عرف المسرح العربيّ بعد الحرب العالميّة الثّانية تطوّرًا على أيدي جيل ثانٍ من الكتّاب المسرحيّين الذين تمكّنوا بوضوح رؤاهم الفنّيّة والفكريّة من نقل الحركة المسرحيّة العربيّة من ركودها بسبب تركيزها على القضايا التّقليديّة إلى المشكلة الاجتماعيّة المركّبة، والقضايا الوطنيّة والقوميّة الشّاملة، متسلّحين بوعيهم السّياسيّ الحادّ المتميّز بالنّبرة الاحتجاجيّة الرّافضة للواقع السّياسيّ والاجتماعيّ، وأدّى ذلك إلى بداية انتعاش المسرح النّقديّ أو الانتقاديّ باعتباره وجهاً من وجوه المسرح السّياسيّ الذي يقرأ الواقع بعين لا ترضى، ويكتب عنه بقلم لا يرضخ، وأصبح المسرحيّ صاحب قضيّة وحمّال رهانٍ ينجز وظيفة ذات أهداف سياسيّة تحرّريّة تقطع مع التّمجيد المزيّف للواقع، والمدمّر للوعي، غير أنّ هذا التّوجّه أهمل الجوانب الفنّيّة في الكتابة والعرض، ونتج عنه ما يشبه الانفصام بين العرض والنّصّ والجمهور والثّقافة المسرحيّة، حتّى كاد يتحوّل إلى عمل دعائيّ لإيديولوجيا، أو لجماعة سياسيّة، وأصبح ميدان تسلّط فكيّ منْ قبل المسرحيّ على الجمهور.
                 III.     سعد الله ونّوس مفكّرًا وفنّانًا
1.  المؤثّرات الذّاتيّة والموضوعيّة في تجربة ونّوس المسرحيّة
ينتمي الكاتب العربيّ السّوريّ سعد الله ونّوس إلى جيل نشأ منْ رحم الهزائم والانتكاسات العربيّة في أواخر النّصف الأوّل من القرن العشرين، فنشأ ذا شخصيّة تمتلك وعيًا حادًّا بواقع أمّتها ومستقبلها، وقد عاصر الاستعمار الأجنبيّ للأقطار العربيّة وأدرك مرارته، وتابع في ما بعد حركات التّحرّر الوطنيّ التي تفاعل معها تفاعلاً كبيرًا لا سيّما حركة التّحرير الجزائريّة التي كانت أنموذجًا للنّضال والصّمود والثّبات على المبادئ الوطنيّة المثلى، وعايش الاستقلال الوطنيّ وتذوّق حلاوته، واحتفى بالوحدة المصريّة السّوريّة التي كان مؤسّسوها يحلمون بأنْ تكون النّواة الصّلبة لكيان الجمهوريّة العربيّة المتّحدة، ثمّ كان الانفصال الذي مثّل بالنّسبة إليه "هزّة شخصيّة كبيرة، كتب [على إثرها] مسرحيّة الحياة أبدًا"[7]، ثمّ تجرّع مرارة الهزيمة المدوّية ضدّ الكيان الصّهيونيّ سنة 1967، والتي مثّلت انتكاسة كبيرة لأحلام الشّباب العربيّ في تحقيق السّيادة والاستقلال، والحريّة والعدالة والتّقدّم، وهي أهمّ حدث في القرن العشرين بالنّسبة إلى الأمّة العربيّة كلّها، ولم يكن المسرح العربيّ خارج إطار التّأثّر به، بل كان لها "بالغ الأثر في مسرحنا العربيّ التّسييسيّ الذي قطع، نتيجة الأحداث التّاريخيّة السّاخنة الدّيناميكيّة، شوطًا كبيرًا من التّقدّم والنّضج، من حيث الشّكل والمضمون، ونال قسطًا واسعًا من اهتمام الأدباء المسرحيّين وعنايتهم"[8]، وقد دفعت هذه الهزيمة المدوّية أغلب الكتّاب والفنّانين المسرحيّين إلى ضرورة إعادة تأمّل الواقع العربيّ، والبحث في أسباب الهزيمة، ودفع كلّ الشّعوب العربيّة إلى إعادة صياغة أحلامها ومشاريعها عبر رؤية فكريّة جديدة.
"ولعلّ من أبرز الإشكاليّات السّياسيّة التي راح [المسرح] يحوم في فلكها، ويخوض غمارها، إثر هزيمة حزيران: إشكاليّة الهزيمة الفجائعيّة، وكذلك إشكاليّة الحريّة الإنسانيّة، والتّصادم مع قوى القهر والطّغيان، وآليّات تسلّطها الدّيكتاتوريّة القمعيّة"[9]، وكان ونّوس في قلب هذا الإطار التّاريخيّ والفكريّ والنّفسيّ، وهو ما جعله يكتسب وعيًا حادًّا بالواقع المرير، والمستقبل الرّماديّ الذي يحيط بالأمّة العربيّة، ودفعه إلى أنْ يكون صاحب رؤية فكريّة ثوريّة تقدّميّة، تستقي مبادئها من أهمّ الفلسفات العالميّة المعاصرة المحرّضة للشّعوب على كسب تحرّرها من كلّ أشكال الظّلم والاستبداد، وتعمل على نقد الواقع العربيّ الرّديء المأزوم، وتحلم بواقع أفضل منشود، تتحرّر فيه الشعوب العربيّة منْ أشكال الظّلم والاستبداد.
2.  موقف سعد الله ونّوس من راهن المسرح في البلاد العربيّة
لقد كان سعد الله ونّوس من أبناء الجيل الثّاني غير الرّاضي على راهن المسرح العربيّ، فرفض توجّهاته الفنيّة ومضامينه، لأنّه وجد أنّ وسائله الفنيّة غير متطوّرة، وغير ناضجة، مقلّدة للتّجارب المسرحيّة الغربية خاصّة، سواءً القديمة المتجلّية في المسرح التّراجيديّ ذي الأصول الإغريقيّة[10]، أو الحديثة التي اتّخذت شكل المسرح البورجوازيّ وشغلت المواطن العربيّ عن قضاياه الحقيقيّة، وتركت المسرح يقوم بوظيفة التّرفيه دون مضمون جديد جريء، وقد لخّص ملامح مشروعه بقوله: "إنّي أبحث عنْ عرض حيّ لحكاية تهمّنا جميعًا، ولذا، أن تصوّر استخدام كلّ الوسائل الممكنة كيْ نصل إلى هذا العرض الحيّ الذي أتمنّاه "فرجة" ممتعة ومفيدة تدفع المتفرّج إلى تأمّل مصيره"[11].
3.  الرّؤية الفنيّة المسرحيّة عند سعد الله ونّوس
لقد أراد سعد الله ونّوس تقديم رؤية جماليّة فنيّة متقدّمة عبّر عنها باقتدار شديد في مسرحيّته "مغامرة رأس المملوك جابر" خاصّة، تمكّنه منْ اختراق راهن المسرح العربيّ، وإخراجه منْ دائرة الفنّ النّخبويّ الأرستقراطيّ الذي لا يستقطب الفئات الشّعبيّة العامّة، لذلك فهو لا يتمسّك بالأصول الشّكليّة للعرض المسرحيّ مثل العرض في القاعات المغلقة، أو التّمسّك بالأدوات الدّيكوريّة الثّابتة، أو التّكاليف الماديّة الباهظة لإنجاز العمل المسرحيّ، لكنّ تركيزه على وظيفة التّعليم والتّوعية والتّسييس والتّثوير  في المسرح لا يعني أنّه يهمل الجانب الفنّي فيه ليحوّله إلى قاعة لتدريس المبادئ الإيديولوجيّة، أو مدرسة لتكوين الثّوّار مثلما يرى "برشت"، وتتحقّق وظيفة الإمتاع بالمحافظة على العناصر الفنّيّة الضّروريّة في الفنّ المسرحيّ لأنّه "فنّ مركّب تتشابك فيه العلاقات على عدّة مستويات، فهناك أوّلاً العرض الذي يتألّف منْ ترابط وتحاور عناصر كثيرة: النّصّ، الإخراج، التّمثيل، الدّيكور، الموسيقى، هندسة المسرح... إلخ. وهناك منْ ناحية ثانية الجمهور الذي يشكّل شريحة اجتماعيّة تتباين فيها عناصر التّجانس والصّراع، ثمّ يأتي المستوى الثّالث الذي يحدث فيه التّماس والتّفاعل بين العرض والجمهور"[12]، ويؤكّد ونّوس أنّ القضيّة السّياسيّة الصّائبة لا يمكنها أنْ تصنع وحدها عملاً مسرحيًّا ناجحًا وذلك بقوله: "فلا يكفي إذنْ أنْ يكون قولنا السّياسيّ صائبًا كيْ يكون عملنا الفنّيّ فنًّا"[13].
4.      التّاريخ والمسرح أو المعالجة الفنيّة للتّاريخ
"لقد شكّل التّراث الحكائيّ الشّعبيّ مصدرًا مهمًّا وثرّيًا من المصادر التّاريخيّة التي اعتمدها مبدعونا المسرحيّون في سوريا كمعادل جماليّ موضوعيّ لتجسيد مضامينهم الفكريّة، وبلورة رؤاهم التّاريخيّة، وخاصّة بعد نكسة حزيران المأسويّة"[14]، فاتّجه سعد الله ونّوس إلى التّاريخ العربيّ الإسلاميّ القديم يستقي منه بعض أعماله المسرحيّة، من أجل إخراج أعمال مسرحيّة مغايرة للسّائد في بيئته العربيّة، وإعادة قراءة التّاريخ بشكل مغاير للقراءات التّقليديّة التي كانت في الغالب قراءات عاطفيّة انفعاليّة ذات أبعاد تمجيديّة بكائيّة، وبناء على هذين الهدفين الرّئيسين سعى ونّوس إلى قراءة التّاريخ قراءة علميّة واعية تجعله قادرًا على اكتشاف القوانين الفعليّة لحركة التّاريخ، وفهم الأحداث وتحليلها وتفسيرها وتأويلها بشكل سليم، والتّعرّف عليها، والتّعلّم منها، لفهم الحاضر، والتّحكّم بالمستقبل، وليس التّاريخ عنده مادّة مقدّسة، أو كتلة صخريّة غير قابلة للتّحويل والتّغيير، بل هو حركة موضوعيّة يمكن للإنسان أنْ يتدخّل فيها بالحذف والإضافة، والتّغيير والتّبديل، وإخراجها من جمودها الدّائم الذي يجعل الإنسان خاضعًا سلبيًّا لها، غير فاعل فيها، وهي أيضًا حركة دائمة غير ثابتة يمكن إعادة قراءتها وفهمها وتحليلها وتأويلها بشكل يمكّن العقل المعاصر من التّحرّر من الجمود، أو من القداسة التي أحاطته، أو الثّبوتيّة التي جمّدته، وقراءة ونّوس للتّاريخ  تتمثّل في فهم الوقائع الماضية ضمن واقعها التّاريخيّ الخاصّ، وفهم شروطها الموضوعيّة التي أنتجتها، لإدراك الدّرس والعبرة، ثمّ التّدخّل لوضع حدّ لاستمرارها، وهذا كلّه لا يتوفّر إلاّ بعد اكتساب وعي نقديّ شامل، وحوار جدليّ موضوعيّ ينشأ بين ذات القارئ والتّاريخ المقروء.
1.       مسرح التّسييس
لقد أثّرت هزيمة حرب جوان (حزيران/ يونيو) 1967 بين العرب والكيان الصّهيونيّ تأثيرًا بالغًا في كلّ تفاصيل حياة الأمّة العربيّة، ومنها المسرح العربيّ الذي آثر رجاله التّعبير عن أسباب هذه الهزيمة وتأثيراتها المدوّية، إذ رأوا أنّ هذه الهزيمة زلزلت بنية واقعنا، وأربكت وجودنا اليوميّ[15]، وحطّمت الآمال والأحلام، فاختطف ونّوس هذه اللّحظة المأسويّة الرّهيبة ليساهم في التّحسيس بمرارة هذا الجرح العميق الذي خلّفته الهزيمة، والبحث في الأسباب الحقيقيّة الموضوعيّة التي أدّت إلى حدوثها، ودعا إلى وجوب فهم كلّ الشّروط التّاريخيّة الموضوعيّة التي تمكّننا من فهم الماضي والحاضر، وقد حدّد عمله المسرحيّ إثر هزيمة جوان 1967 حول "إشكاليّة الهزيمة الفجاعيّة، وكذلك إشكاليّة الحريّة الإنسانيّة، والتّصادم مع قوى القهر والطّغيان، وآليّات تسلّطها الدّيكتاتوريّة القمعيّة"[16].
اتّجه سعد الله ونّوس ـ متأثّرًا بـ"برشت" وبهزيمة 1967ـ  إذنْ إلى مسرح التّسييس رافضًا تصنيف مسرحه ضمن المسرح السّياسيّ، معتبرًا "أنّ هناك فارقًا كبيرًا بين "المسرح السّياسيّ" و"مسرح التّسييس"[17]، الذي يعتبر أنّه "حوار بين مساحتين، الأولى هي العرض المسرحيّ الذي تقدّمه جماعة تريد أنْ تتواصل مع الجمهور وتحاوره، والثّانية هي جمهور الصّالة الذي تنعكس فيه كلّ ظواهر الواقع ومشكلاته"[18]، أيْ إنّه المسرح الذي يُدمج الجمهور في العمل المسرحيّ، ويوفّر له الفرصة للتّعبير عن رأيه في العمل المشاهَد، وتحليل أحداثه، وأقوال شخصيّاته، ونقدها، وينشأ بذلك الحوار والجدل بين المتفرّجين والممثّلين، وبين المتفرّجين أنفسهم، ويقوم المسرح التّسييسيّ أيضًا على كسر الإيهام من خلال التّخلّص من التّعاطف مع البطل، والتّماهي معه، والتّخلّص من وظيفة التّطهير، وينكسر الجدار الرّابع الذي كان يفرض صوت الممثّل على المتفرّج، ولذلك فهو انزاح عن المسرح الأرسطيّ الذي يسعى إلى التّطهير، واتّجه صوب المسرح "البرشتي" الذي يسعى إلى التّغيير "عنْ طريق شحن المتفرّج بضرورة [المشاركة في] تغيير العالم"[19]، ولنْ يتحقّق ذلك كلّه "ما لمْ يتوفّر الأمر الأهمّ والأساسيّ في إثارة الحوار وتشجيعه [أيْ] أنْ تتوفّر في العرض المسرحيّ ـ أيْ في المساحة الأولى ـ الشّروط اللاّزمة لإثارة الحوار... كارتباط الموضوع بحياة المتفرّج ومشاكله، ونوع المعالجة وشكلها"[20].
2.       الجمهور المسرحيّ عند سعد الله ونّوس
يولي سعد الله ونّوس الجمهور المتفرّج عناية كبرى وأساسيّة في العمل المسرحيّ إذْ يعتبره النّصف الأساسيّ لأيّ عرض مسرحيّ، وهو الهدف الأساسيّ لهذا العرض، وقد خصّص له جزءًا مهمًّا في بياناته المسرحيّة ومنها قوله: "ممّا لا شكّ فيه أنّ المتفرّج يستطيع أنْ يقوم بدور إيجابيّ كبير في توجيه المسرح، وعلينا أنْ نعلّمه كيف يقوم بهذا الدّور، وأنْ نشجّعه على الاضطلاع به بشكل فعّال حتّى يتحقّق لنا فعلاً توجيه المسرح وتقويم أساسه"[21]، وهو يرى أنّ هذا المتفرّج ملزم بالتّغيّر الذّاتيّ إذْ "ينبغي أنْ يعي المتفرّج أهمّيّته في أيّ عرض مسرحيّ، فكلّ ما يدور على الخشبة يستهدفه [...] بمعنى أنّ قيمة هذا العرض مرهونة بالموقف الذي يتّخذه [...و] ينبغي أنْ تنتهي سلبيّة المتفرّج ووضعيّته السّاكنة حيال الخشبة وما يدور عليها، ينبغي أنْ يدرك جيّدًا أنّ كلّ ما يدور أمامه يعنيه ويهمّه، وعليه أنْ يتّخذ موقفًا [...] على المتفرّج أنْ يحسّ بالمسؤوليّة وبأنّ لموقفه منْ أيّ عمل ثقافيّ بشكل عامّ، ومنْ أيّ مسرحيّة بشكل خاصّ نتائج مهمّة وخطيرة أيضًا عليه وعلى أوضاع بلاده"[22]، فلا يكفي ـ بالنّسبة إليه ـ أنْ يقتطع المتفرّج تذكرة، ويجلس على الكرسيّ كالتّلميذ المؤدّب، ويشاهد العرض المسرحيّ، ثمّ يغادر القاعة منتشيًا أو متألّمًا، بلْ لعلّ ذلك دليل على فشل العمل المسرحيّ.
                IV.          لذّة المسرح/ الطّرافة والتّغريب في مسرحيّة "مغامرة رأس المملوك جابر"
        إنّ المواقف السّابقة التي يحملها سعد الله ونّوس تجاه واقع الحركة المسرحيّة العربيّة، والرّهانات التي يسعى إلى تحقيقها من الظّاهرة المسرحيّة، والرّهان الأصليّ الذي يوجب على الثّقافة تحمّله وإنجازه، والأفكار التي يسعى إلى إنجازها من العمل المسرحيّ الفرجويّ دفعته كلّها إلى البحث عنْ آليّات جديدة تمكّنه منْ تبليغ أهدافه، وتحريك الحالة المسرحيّة المترهّلة، وتجعل المسرح يتحوّل بحقّ إلى ظاهرة ثقافيّة واجتماعيّة، فآمن أنّ ذلك لنْ يتحقّق إلاّ إذا ما أوجد عناصر الفرادة التي تتأتّى منْ عمل تجتمع فيه الطّرافة والغرابة والإدهاش، وتحقّق ما يسمّيه نقّاد الأدب الحديث عامّة "العدول" (L’écart)[23]، وقد أكّد ذلك بقوله في إحدى حواراته: "لمْ أعدْ أحبّ فكرة مهمّة ووظيفة الفنّ، ولكيْ لا يكون هناك التباس.. أقول إنّه من طبيعة الفنّ والأدب، لا بلْ إنّ جوهره يمكن في أنْ يبحث عن هذه الفرادة وينمّيها، وأنْ يعمّقها لأنّه عبر هذه الفرادة سيولد التّعبير الجديد، عبر هذه الفرادة ستولد الكتابة الجديدة، وسيولد الإبداع الجديد، ولنْ يكون تكرارًا ونسخًا"[24]، فهو إذنْ سيراهن على إيجاد العناصر الفنّيّة التي تحقّق العدول فنّيًّا، وتحقّق الإبلاغ مقصديًّا.
1.            مسرحيّة "مغامرة رأس المملوك جابر"
      استلهم سعد الله ونّوس مادّة مسرحيّته "مغامرة رأس المملوك جابر" من حكاية شعبيّة تراثيّة قديمة وردت في "سيرة الظّاهر بيبرس"[25]، وتدور أحداثها في أواخر حكم الدّولة العبّاسيّة التي كانت فترة عصيبة على السّلطة والشّعب، إذ احتدّ الصّراع بين أركان السّلطة السّياسيّة، واحتدم الشّقاق بين أبناء المجتمع وتيّاراته وطوائفه، وبلغ التّأزّم أوجهه من خلال تأزّم العلاقة بين الخليفة شعبان المقتدر بالله، ووزيره محمّد العلقميّ، وبلوغ الصّراع حول السّلطة مرحلة عصيبة أخذ فيها كلّ طرف يتّجه إلى جعله صراعًا دمويًّا مدمّرًا، وأضحى ذلك منذرًا بالخراب للبلاد والعباد، وحدوث الفوضى العارمة، في حين كان النّاس خوفًا من السّلطة وبطشها، وحرصًا على سلامتهم يؤثرون السّكون، ويركنون إلى الصّمت، مديرين ظهورهم لما يحدث في بلادهم من أحداث عصيبة، وغير عابئين بالنّتائج الوخيمة المحتملة، وغير شاعرين بمسؤوليّة السّاكت عن ذلك الوضع، معتقدين أنّ الصّراع بين الخليفة والوزير شأن سياسيّ داخليّ يهمّ القصر وحده، مردّدين معًا بصوت واحد: "أمّا نحن فلا ناقة لنا ولا جمل"[26]، مؤمنين بشعارهم التّاريخيّ: "فخّار يكسّر بعضه"[27]، حتّى أنّ بعضهم يرفض مجرّد التّحاور مع غيره حول هذا المشكل السّياسيّ، مكتفيًا بانتظار نتيجته ليتحوّل إلى المثل الآخر القائل: "منْ يتزوّج أمّنا نناديه عمّنا"[28].
      وفي مركز السّلطة يحتدّ الصّراع بين الخليفة ووزيره، ويسعى كلّ طرف إلى كسب المعركة بكلّ ما أوتي من قوّة وجهد نفوذ وشراسة وعنف، موظّفًا كلّ ما يقدر عليه بشريًّا ومادّيًّا للإمساك بزمام أمور الحكم، مستندًا إلى المثل القائل: "الغاية تبرّر الوسيلة"، فالخليفة يؤلّب أمراء ولاياته ضدّ الوزير، ويدخلهم ضمن حلفه، مطمعًا إيّاهم في مزيد من العطاء مثل منحهم مزيدًا من الاستقلال الذّاتيّ، وإطلاق أيديهم في ولاياهم وسكّانها، ويكسب إلى جانبه إمام الجامع ممثّل السّلطة الدّينيّة الذي سيبرّر قراراته ويمنحها الشّرعيّة المطلوبة، ويفرض على النّاس ضرائب جديدة بدعوى المساهمة في الدّفاع عن أركان الخلافة، وحماية مصالحهم ووجودهم ضدّ وزير طمّاع يريد تدمير الخلافة والرّعيّة، أمّا الوزير  الذي خسر كلّ مؤيّد في الدّاخل عدا بعض قوّاد الجيش الذين اختاروا مولاته ضدّ الخليفة فيتّجه إلى البحث عن التّأييد الخارجيّ، فيحاول الاستنجاد بجيش العجم بقيادة ملكه "المنكتم بن داوود" وابنه "هلاوون"، واستدعائه للقضاء على الخليفة وجيشه ومواليه، وتثبيته هو في السّلطة بدل الخليفة، لكنّه يعجز عن إيجاد وسيلة توصل الرّسالة إليهما، إذ الخليفة قد شدّد الحراسة على بغداد، وفرض التّفتيش المطلق على الدّاخل إليها والخارج منها، ويشعر بنفسه في ورطة كبرى، ومأزق حقيقيّ، وحتّى مساعده عبد اللّطيف لم يكن في البداية مقتنعًا بفكرة الاستقواء بالجيش الأجنبيّ لإدراكه خطورة ذلك على البلاد والعباد، وما يحدثه الجيش الغازي من دمار وخراب يشمل جميع أركان الدّولة، ومكوّنات المجتمع، لكنّ الوزير يقنعه بجدوى ذلك.
      وفي الوقت الذي كان فيه الوزير عاجزًا عن إيجاد طريقة يُخرج بها الرّسالة من بغداد ويبلغها ملك العجم، ينبثق الحلّ من مملوك عنده اسمه جابر، يقترح عليه فكرة ما كانت تخطر ببال أحد، إذ يقترح جابر أنْ تُكتب الرّسالة على رأسه الذي يصبح بعد حلق الشّعر ناعمًا كخدّ جارية، وينتظر مدّة من الزّمن ينبت فيها الشّعر من جديد، ثمّ يخرج من بغداد في أمان تامّ، ويوصل الرّسالة إلى ملك العجم، ويطلب من الوزير أنْ تكون مكافأته تزويجه الجارية الفاتنة زمرّد، وإعطاءه مالاً وفيرًا، وتنصيبه وزيرًا، فيوافق الوزير على طلباته، ويكون الأمر كذلك، ويخرج جابر إلى بلاد العجم، ويخبر الملك منكتم بالأمر، ويُحلق الشّعر، وتُقرأ الرّسالة، ثمّ يُقاد جابر إلى غرفة السّيّاف لهب أين توجد المقصلة التي يُعدم عليها من يحكم عليهم الملك بذلك، ويُقطع رأس جابر تنفيذًا لما كتب الوزير في خر رسالته كيْ يبقى الأمر سرًّا بينه وبين ملك العجم، ولا يعلمه الخليفة.
      وإلى جانب هذه القصّة التّاريخيّة المستلهمة من سيرة الظّاهر بيبرس، تدور أحداث قصّة أخرى لا تقلّ عنها غرابة وقتامة، فهناك مجموعة من الزّبائن ينتمون إلى القرن يجتمعون كلّ ليلة في مقهى شعبيّ للاستمتاع بشرب القهوة والشّاي، وتدخين النّرجيلة، والاستماع إلى الأغاني الطّربيّة، وقصص العمّ مونس الحكواتي، وهم بذلك يحاولون نسيان مرارة واقعهم الاجتماعيّ البائس، وفي بداية هذه المسرحيّة كانوا يتحمّسون لسماع قصّة الظّاهر بيبرس، ولكنّ العمّ مونس يخذلهم، ويقصّ عليهم قصّة المملوك جابر الذي يسحرهم بذكائه، وينبهرون بفطنته وخطّته، ثمّ يأسفون لموته المفاجئ وقد غدر به الوزير العلقميّ رغم خدمته له بتفانٍ.
      إنّ هذه الأحداث القديمة التي اطّلع ونّوس عليها في كتاب تراثيّ منسيّ حرّكت وعيه، وزادت حيرته إرباكًا لا سيّما موقف أهل بغداد منْ صراع الخليفة ووزيره إذْ لزموا الصّمت، ولاذوا بالفرار حتّى وقعت الكارثة العامّة، وموقف زبائن المقهى منْ القصّة التي تعاطفوا فيها مع جابر الانتهازيّ، وكأنّ هذه القصّة تترجم ما ذكره ونّوس عن مساهمة المواطن العربيّ في وقوع الهزائم العربيّة، والانتكاسات السّياسيّة والفكريّة العربيّة المعاصرة، إذْ يقول: "منْ لساني المقطوع بدأت الهزيمة وانطلت الجنازة.. منْ "لائي" المقموعة على امتداد الوطن العربيّ نفذ العدوّ، والانفصال، والجوع، والسّجن، والجلاّد، والانهيار العربيّ المعاصر"[29]، ويضيف متألّمًا شاعرًا بالذّنب المقترف تجاه الوطن والأمّة بقوله: "أحسّ الآن، ومزيج من المرارة والعار يكوي أحشائي، أنّي، ومعي الملايين، كرّستُ الانفصال، وبدّدت فلسطين والمقاومة، ودعّمت سلطة القمع [...] وركبت الطّائرة مع السّادات حين زار "إسرائيل"، واقتطعت اللّقمة منْ جوعي كيْ أولم للسّادة والطّفيليّين وأمراء المازوت، لأنّ "لائي" مصادرة، أكتشف وبهول، أنّ في وجداني يوجد سادات صغير، وأنّي محكوم، بأنْ أكون ضحيّة ومتفّجًا، جنازة ومشيّعًا، وفوق ذلك متواطئًا"[30].
2.     العدول عن قانون الوحدات الثّلاث
إذا كان أرسطو قد اشترط في المسرحيّة التّقليديّة تركيبها منْ وحداث ثلاث تتمثّل في وحدة الحدث (أو الموضوع) ووحدة الزّمان ووحدة المكان، وذاك ما يوافق السّياق الثّقافيّ للمتفرّج اليونانيّ الذي يعقد صلةً وثيقة بين العمل المسرحيّ والواقع، ويعتقد أنّ الحكاية المسرحيّة الممثّلة أمامه على الرّكح تمثّل قطعة من الواقع المادّيّ الملموس، وكأنّها جزء من التّاريخ المادّيّ للإنسان، وهو أثناء مشاهدته للعمل المسرحيّ يندمج فيه اندماجًا مطلقًا، ويتماهى مع الممثّلين، ويرى نفسه فيهم، ويصدّق كلّ ما يشاهد، نافيًا عنه صفة التّخييل (أو الخيال) (L’imagination) التي ارتبطت عند أرسطو بالشّعر الغنائيّ (Poésie Lyrique)، فإنّ سعد الله ونّوس عدل عنْ هذا الشّرط البنائيّ (Structurale) وخالفه، فأصبح الحدث متعدّدًا لارتباطه بشخصيّات عديدة كانت كلّ واحدة منها بطلاً في الجزء الذي يهمّها من الحكاية، ومنها حكاية جابر مع حبيبته زمرّد، وحكايته مع الوزير عبد اللّطيف الذي وعده بتزويجه منْ زمرّد وإعطائه المال بعد أنْ يوصل الرّسالة إلى ملك العجم، وحكاية مصيره الفاجع في بلاد العجم على يدي السّيّاف لهب، ومنها حكاية الخليفة في صراعه على السّلطة مع الوزير، وحكاية أهل بغداد الذين يصارعون لقمة العيش ولا يزجّون بأنفسهم في قضايا السّياسة وخلافات السّاسة، وحكاية الرّجل الرّابع الذي يحذّرهم من اللاّمبالاة والخوف، وحكاية الرّجل الفقير الذي يطلب منْ زوجته الذّهاب إلى الجار الغنيّ لتعطيه شيئًا منْ متعة جسده كيْ يعطيها في المقابل شيئًا منْ ماله الوفير لإنقاذ ابنهما الجائع، وحكاية طمع ملك العجم "منكتم بن دواد" في احتلال بلاد العرب، ثمّ تأتي الحكاية النّهائيّة التي تمثّل خراب بغداد وهلاك أهلها، وسقوط الخلافة العبّاسيّة الذي كان الإعلان النّهائيّ لانتهاء آخر حقبة مشرقة منْ تاريخ الحضارة العربيّة الإسلاميّة القديمة، دون أنْ نغفل عنْ حكايات زبائن المقهى بين الواقع الاجتماعيّ المزري (الفقر والخصاصة)، والبحث عن القصص الممتعة.
وكذا كان الشّأن بالنّسبة إلى الزّمان الذي مارس عليه ونّوس العدول فجعله متعدّدًا، وأهمّ علامة دالّة على ذلك (بالقياس إلى الزّمن المسرحيّ الأرسطيّ وهو أربع وعشرون ساعة التي تمثّل دورة شمس) هي أنّ زمن الحدث المسرحيّ تجاوز هذه المدّة بكثير، فجابر انتظر شهرين كاملين بعد حلق شعره وكتابة الرّسالة حتّى ينمو الشّعر منْ جديد ويخرج منْ بغداد بسلام، إضافة إلى المدّة التي قضّاها في الطّريق إلى بلاد العجم، والمدّة الزّمنيّة التي قضّتها جيوش العجم حتّى تصل إلى بغداد وتحتلّها، وهناك علامة أخرى تتجلّى في المزج بين الزّمنين متباعدين جدًّا على الرّكح، وهما زمن القصّة الأصليّة (بغداد في القرن السّابع للهجرة)، وزمن القصّة الفرعيّة وهي قصّة زبائن المقهى في القرن العشرين.
وسار ونّوس على المنوال نفسه في المكان حيث جعله متعدّدًا، ومنه قصر الخليفة، وديوان الوزير، وغرفة جابر، وبهو القصر، وشوارع بغداد، والصّحراء طريق بلاد العجم، وقصر ملك العجم، وغرفة السّيّاف لهب، والمقهى.
3.     المفاجآت في مسرحيّة "مغامرة رأس المملوك جابر"
لقد تميّزت مسرحيّة "مغامرة رأس المملوك جابر" بعناصر عديدة حقّقت صفة العدول فأضفت عليها طرافةً وتميّزًا، وجعلتها حدثًا مسرحيًّا مفارقًا في الحركة المسرحيّة العربيّة المعاصرة تأليفًا وإخراجًا وعرضًا، وتمكّنت منْ توفير لذّة المسرح لمنْ يفهم أسسها الفنّيّة والفكريّة، ومن هذه العناصر المميّزة اشتمالها على بعض عناصر المفاجأة في مستوى الأحداث والمواقف، ويمكن القول إنّ المفاجآت الأولى والرّئيسة تعلّقت بجابر، فالأولى تجلّت حين أثبت هذا المملوك قدرته على اكتساب الجرأة التي مكّنته من الزّجّ بنفسه في الصّراع السّياسيّ النّاشئ بين الخليفة العبّاسيّ ووزيره، وتقديمه حلاًّ عجيبًا لإخراج الرّسالة من بغداد، إذْ تجرّأ على الدّخول إلى ديوان الوزير عبد اللّطيف الذي كان شديد التّوتّر، وقدّم له الطّريقة التي ستمكّنه منْ إخراج الرّسالة منْ بغداد دون أنْ يكتشف الخليفة ذلك، وقال له: "ننادي الحلاّق، فيحلق شعري، وعندما يصبح جلد الرّأس ناعمًا كخدّ جارية جميلة يكتب سيّدنا الوزير سالته عليه، ثمّ ننتظر حتّى ينمو الشعر ويطول، فأخرج منْ بغداد بسلام"[31]، وتجلّت المفاجأة الثّانية حين استطاع إملاء شروطه على الوزير، وجعله يوافق عليها رغم أنّه سّيّده المالك له، وكان قد اشترط عليه تزويجه الجارية زمرّد وفوقها مال كثير[32]، أمّا المفاجأة الثّالثة فتعلّقت بمصيره الفاجع حيث لقي حتفه حين قُطعت رأسه بسيف لهب، فقد "أمسك لهب بيده المعدنيّة رأس المملوك جابر، وضعه على القاعدة الملطّخة بالدّم اليابس، وبضربة منْ بلطته المسنونة فصل رأسه عنْ جسده"[33]، ويمكننا أنْ نضيف مفاجأة أخرى تتمثّل في دخول جيش العجم إلى بغداد، وتخريبها، والتّنكيل بأهلها، فقد "كانت جيوش العجم تزحف كعاصفة هوجاء نحو بغداد، وفي طريقها خرّبت كلّ ما هو قائم [...] وفجر يومٍ استفاق النّاس في بغداد على الهول.. جيوش تهاجم المدينة، وطبول الحرب تدوّي [...] وانفتحت بعض الأبواب، واقتحمت الجيوش الأسواق [...] وعمِل البتّار، وطلع الغبار، وقصرت الأعمار، وسالت الدّماء كالأنهار، وحسب النّاس أنّها القيامة، الجثث تتكدّس، والأعراض تُهتك، والنّار تشتعل، والبيوت تنهدم"[34]، وخاب أمل الوزير، إذْ هلك مع أهل بغداد، ولم يحقّق هدف الاستيلاء على السّلطة بدل الخليفة، وكان مغفّلاً إلى آخر اللّحظة لأنّه استبشر بقدوم جيوش العجم، وانتظرهم انتظار الفائز، وكان ساعة قدومهم إلى بغداد "يوالي الاتّصال بقوّاده، ويرتّب معهم خُططهُ"[35].
أمّا المفاجآت الأخرى فيمكن تبيّنها في فضاء الحاضر بين زبائن المقهى، فالمفاجأة الأولى تمثّلت في ردّ فعلهم تجاه القصّة المرويّة ونهايتها، إذْ انبهروا بجابر الانتهازيّ ووصفوه في البداية بالنّابه الذّكيّ الفطن و"ابن زمانه"[36]، وهو يناقض في الحقيق ما أراد الحكواتيّ تبليغه، إذ القصّة المرويّة ترسم صورة بشعة لبطل انتهازيّ، وتريد التّوعية بالعواقب الوخيمة للاستنجاد بالجيش الأجنبيّ، ثمّ تتجلّى المفاجأة الثّانية من خلال رفضهم لمصير جابر، واستنكارهم هذه القصّة المأسويّة لأنّ فيها "نهاية غير عادلة"[37]، محمّلين الوزير مسؤوليّة قتل البطل لأنّه ـ في نظرهم ـ "يغدر ولا يحفظ عهدًا"[38]، وتتجلّى المفاجأة الثّالثة بإعلانهم القطيعة مع الحكواتيّ العمّ مونس رفيق سهراتهم في المقهى إنْ أصرّ على عدم رواية قصّة الظّاهر بيبرس، فهم يريدون قصصًا تسلّي لا قصصًا تحمل الكآبة والحزن، حتّى أنّ الزّبون2 هدّده قائلاً: "إذا كانت حكاياتك لمْ تتغيّر يا عمّ مونس، سنقبى في بيوتنا"[39]، ثمّ أردف قائلاً: "إذا لمْ تبدأ سيرة الظّاهر غدًا فلنْ أسهر بعد الآن في هذا المقهى"[40].
4.     غرابة الأحداث والمواقف في مسرحيّة "مغامرة رأس المملوك جابر":
تتكوّن هذه المسرحيّة التّغريبيّة من أحداث وموافق غريبة متعدّدة، ساهمت بقسط كبير في تأكيد طرافتها وتميّزها، ومنها أنّ المملوك جابر يتدخّل في الصّراع السّياسيّ ويؤجّجه، ولا يشعر بالمخاطر الحقيقيّة لهذا الصّراع، ويعرض المساعدة على الوزير، ويقامر بحياته طمعًا في الثّروة والمرأة والسّلطة، ويجلب الدّمار إلى وطنه، والخليفة والوزير يتنافسان سياسيًّا لتحقيق المصالح الشّخصيّة الضّيّقة، عوض أنْ يتعاونا لخدمة المجتمع، ورعاية شؤون الرّعيّة، وحماية استقرار الدّولة، والدّفاع عنها تجاه الأخطار الخارجيّة، والوزير يستنجد بالغزو الخارجيّ لحسم الصّراع السّياسيّ الدّاخليّ مع الخليفة، ويثبت أنّ تآمر الدّاخل على الدّاخل هو مقدّمة تآمر الخارج على الدّاخل، أو أداة تنفيذه، فرسالته إلى ملك العجم تحتوي كلّ المعلومات الكافية لدخول بغداد "نعلمكم أنّ الوقت حان.. وفتح بغداد صار بالإمكان.. فجهّزوا جيوشكم حال وصول الرّسالة إليكم، وليكنْ هجومكم سرًّا، وتحت ستر من الكتمان حتّى تتمّ المفاجأة بفتح بغداد، وإنْ وجدتم في الطّريق عساكر تمشي إلينا، فاقضوا عليها لأنّها إمدادات للخليفة، ونحن هنا نتكفّل بالعون وفتح الأبواب"[41]، والخليفة يعجز عن حلّ الخلاف مع وزيره بالحوار الفاعل، والتّشاور البنّاء.
 ولمْ تقتصر غرابة هذه الأحداث المسرحيّة على الجانب السّياسيّ بلْ تجاوزته إلى الجانب الاجتماعيّ الذي يمثّل عند ونّوس أسّ المشكلات الوطنيّة والقوميّة، ومنها أنّ الرّعيّة سلبيّة الرّأي والمواقف، مزيّفة الوعي، تعجز عن إدراك مخاطر الصّراع السّياسيّ، وانعكاساته السّلبيّة على الوضع الاجتماعيّ، وتؤمن بأنّ الرّعيّة يجب أنْ لا تتدخّل في شؤون السّاسة وخلافاتهم، قائلةً بإجماع: "ولهذا خير ما نفعله هو أنْ نخفي رؤوسنا بين أكتافنا"[42]، ولا تكترث بمنْ يسعى إلى توعيّتها مثل الرّجل الرّابع، بلْ وتنبذه وتتجنّبه خوفًا منه ومنْ أفكاره فالمرأة الرّابعة قالت له: "بالله افتح جرابك الخطير بعيدًا عنّا"[43]، ومن المواقف الغريبة والصادمة سعي بعض النّاس إلى دفع الفقر والخصاصة عنهم، وإنقاذ حياة صغارهم عبر تمكين الأغنياء منْ أجساد زوجاتهم، مثلما فعل ذلك الزّوج الفقير العاجز  الذي انسدّت أمامه آفاق لقمة العيش عندما اقترح على زوجته الذّهاب إلى الجار الثّريّ وقضاء اللّيلة معه وتمكينه من جسدها لجلب المال وإنقاذ حياة ذلك الرّضيع المسكين[44]، وتخرج الغرابة من التّاريخ الماضي لتشمل الزّمن الحاضر فزبائن المقهى يستمعون إلى قصّة بطلها شخص انتهازيّ يبيع وطنه لتحقيق مصالح شخصيّة مادّيّة، وينبهرون به، ويأسفون لمصيره الفاجع، عوض رفض قيمه الدّنيئة، وإنكار أفعاله المدمّرة.
5.     غياب البطل الإيجابيّ
اعتادت المسرحيّة التّقليديّة بحسب النّظريّة الأرسطيّة في التّراجيديا (Tragédie) والملحمة (Epopée) معًا رسم الصّورة النّموذجيّة الإيجابيّة لبطلها، فيكون محبًّا للخير مدافعًا عن القيم الإنسانيّة المثلى، مضحّيًا بنفسه في سبيل الآخرين، غير مكترث بما يلقى في سبيل ذلك من محن وصعاب، لكنّ مسرحيّة ونّوس هذه حرّك أحداثها بطل سلبيّ شرّير هو الوزير الذي استنجد بالعجم، وتسبّب في خراب بغداد والقضاء على آخر ما بقي منْ قلاع الدّولة العربيّة الإسلاميّة في ذلك العهد، وقد أتقن ونّوس وصف شخصيّته الشّريّرة بقوله: "في تقاطيع وجهه لؤم قديم ومزمن، منقبض الأسارير يمور في عينيه حقد كظيم"[45]، وهيّج أحداث المسرحيّة بطل آخر سلبيّ بدوره، انتهازيّ يبحث عن تحقيق مصالحه الشّخصيّة، غير مكترث بما سيلقى المجتمع أثناء ذلك من محن وصعاب، فهو  يرى أنّ الخلاف بين الخليفة والوزير يجب أنْ يشتدّ حتّى "تصبح في بغداد وظيفة شاغرة"[46]، فأدّى كلّ ذلك إلى غياب البطل النّموذجيّ الإيجابيّ، والعدول عنه، رغم حضور شخصيّة كان بإمكانها أنْ تلعب دورًا أكثر إيجابيّة وهي شخصيّة الرّجل الرّابع في فضاء الماضي لكنّه عجز عنْ ذلك باعتبار أنّ تدخّله في المحاورات كان محدودًا، ولم يكن لحديثه مع أهل بغداد توعيةً وإقناعًا وتبصيرًا بالواقع أيّ تأثير أو جدوى، ومثله كان الزّبون الرّابع الذي لمْ تفلح إشاراته في تحقيق التّوعية، وبقيت تنبيهاته بلا جدوى، فقد ظلّ بقيّة الزّبائن منبهرين بشخصيّة جابر، متأسّفين لموته بسيف لهب، ويمكن أنْ نضيف إليهما العمّ مونس الذي فشل في إقناع الزّبائن بجدوى طريقته في سرد الأحداث التّاريخيّة، والعبر التي تستفاد منها، ولم تُكسب قصصه الزّبائنَ الوعي التّاريخيّ، والعقل النّقديّ، وظلّوا ثابتين على وعيهم المزيّف.
6.     ثنائيّة الأصالة والحداثة
يملك سعد الله ونّوس إحساسًا عميقًا بكون المسرح العربيّ المعاصر يعاني من هنات عديدة جعلته غير قادر على مواكبة التّحوّلات الكبيرة التي تعرفها الحركة المسرحيّة العالميّة، وغير قادر على جذب الجمهور إليه، وذاك ما جعله يشعر أيضًا بالمسؤوليّة الملقاة على عاتقه وعاتق كلّ أبناء الحركة المسرحيّة تأليفًا وتمثيلاً وإخراجًا، وهي مسؤوليّة التّطوير والتّحديث، فكان أنْ أعدّ مشروعه المسرحيّ وفق رؤية فنيّة معاصرة تجمع بين ما يمكن تسميته بالأصالة والحداثة، وتقوم الأصالة بالنّسبة إليه على توظيف الموارد التّراثيّة المتوفّرة والتي من الممكن توظيفها مسرحيًّا للتّعبير بها عن القضايا العربيّة المعاصرة، أيْ إنّه لا يروي التّاريخ، وإنّما يوظّفه لقراءة التّاريخ القديم والحديث قراءة نقديّة، وقد أكّد ذلك بقوله: "لمْ يكنْ التّراث بالنّسبة إليّ إلاّ وسيلة أو شكلاً ساعدني على الاتّصال بصورة أعمق بالرّاهن، وأنا ضدّ هذه الدّعاوى التّراثيّة التي تبحث عن الأصالة لمجرّد استعادة قصّة من التّاريخ العربيّ، أنا أستعير الحكاية التّراثيّة لأتحدّث عن الآن، الحكاية في سياقها التّاريخيّ لا تعنيني في شيء"[47]، وتقوم المعاصرة على الانفتاح على التّجارب المسرحيّة العالميّة، وقد وجد ضالتّه في المسرح الملحميّ البرشتيّ الذي يقوم على عناصر التّغريب، وكأنّه يريد بذلك إحياء الجدليّة الصّراعيّة الدّائمة في ثقافتنا العربيّة القائمة بين الماضي والحاضر، والتّعبير عن فشل العرب في خلق "التّوافق الفكريّ والسّياسيّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ بين مجتمعيْ العصرين"[48]، ودعوتهم إلى إيجاد حلّ لهذه المعضلة الدّائمة.
أ‌.     الأصالة/ توظيف الموارد التّراثيّة
يتجلّى حضور التّراث في هذه المسرحيّة بقوّة من خلال اقتباس أحداثها من التّاريخ العربيّ الإسلاميّ القديم، حيث أخذ ونّوس القصّة من سيرة الظّاهر بيبرس الذي أوقف زحف المغول على البلاد العربيّة، وقضى على حلمهم بعد غزو بغداد بالمرور إلى غزو مصر، وحرّر المشرق العربيّ منهم، وينتمي المكان والزّمان إلى الطّور الحضاريّ القديم، فالمكان بغداد زمن الخلافة العبّاسيّة، والزّمان أيّام الصّراع الذي عاشه النّظام السّياسيّ العربيّ القديم في تلك الفترة، وهو نظام الخلافة، وهناك في المكان والزّمان أسياد ومماليك وجوارٍ، وضرائب تُفرض على الرّعيّة دون وجه حقّ، وهناك قصور الملوك والأمراء والوزراء، والرّعيّة تعيش الخصاصة فتقف أمام الفرن التّقليديّ انتظارًا لخروج الخبز، والشّخصيّات بدورها موغلة في القدم من حيث أسمائها (عبد اللّطيف ـ عبد الله ـ حابر ـ منصور ـ زمرّد) وملامحها المعنويّة والماديّة، ولم يختلف الحاضر عن الماضي أيضًا من حيث مظهره التّراثيّ، فالفضاء الذي تدور فيه الأحداث فضاء شعبيّ وهو المقهى، وتُوزّع فيه المُستهلكات العربيّة من قهوة وشاي ونرجيلة، وقام ونّوس أيضًا بتوظيف شخصيّة الحكواتيّ التي اقتطفها من ظاهرة السّمر العربيّ القديم، ويقوم الحكواتيّ بتأكيد البعد التّراثيّ في المسرحيّة من خلال إضفاء البعد القصصيّ/ الحكائيّ على نصّ مسرحيّ تمثيليّ فزاوج بين نمطين فنّيّين هما الحكاية التي تُسرد مشافهةً، والنّص المسرحيّ القائم على ثنائيّة الحوار والإشارات الرّكحيّة، وجعل النّصّ الحكائيّ التّراثيّ هو الأصل في هذه المسرحيّة، وجعل المسرحيّة مكتوبةً ومؤدّاة باللّغة العربيّة الفصيحة، عكس أغلب المسرحيّات العربيّة المعاصرة التي كانت تؤدّى باللّهجات العاميّة القُطريّة، لاعتقاد المسرحيّين العرب عسر اعتماد اللّغة العربيّة في المسرح، وعُسر فهم العرب لهجاتِ بعضهم بعضًا.
ب‌.      الحداثة/ التّغريب في "مغامرة رأس المملوك جابر"
لقد تجاوز سعد الله ونّوس في مسرحيّته هذه خصائص المسرح التّقليديّ الأرسطيّ التّراجيديّ، ووبرهن على تأثّره بالمسرح التّغريبيّ البرشتيّ، وحريّ بنا أنْ نشير إلى أنّ الحداثة تجلّت أوّلاً في التّحرّر من الوحدات الثّلاث (وحدة الزّمان ـ وحدة المكان ـ وحدة الحدث)، واختيار البطل من الوسط الشّعبيّ الطّبقيّ البسيط وليس من طبقة النّبلاء، وتفريع القصّة، وتعدّد مظاهر المأساة، وعدم توقّفها عند حدود مأسويّة البطل، وتجلّت الحداثة ثانيًا من عناصر التّغريب ومنها خاصّة خلق مسرح داخل مسرح بين الماضي والحاضر، وبين الرّكح والصّالة، والمزج بين السّرد القصصي (الحكواتيّ) والخطاب المسرحيّ (الإشارات الرّكحيّة والحوار)، والمراوحة بين المحكي (كلام الحكواتيّ) والمرئيّ (ما يشاهد) والمسموع (الأغاني وأصوات فزع الرّجال والنّساء، وصليل السّيوف وصهيل الخيول أثناء غزو بغداد)، وإلغاء السّتارة، فتُلغى الكواليس، وتُحذف الفصول والمشاهد، ويسقط الجدار الرّابع، ويسقط الإيهام، وجعل الممثّل يضع الدّيكور بنفسه (يدخل ممثّلان يحملان قطع ديكور بسيطة جدًّا[49])، وجعله يخاطب الجمهور مباشرةً، وجعل الجمهور يخاطب الممثّل (انتبهوا.. يحرّضكم على الفتنة[50]) فيتغيّر دور المشاهد إذْ يتدخّل في الحوار المسرحيّ متى شاء وكيفما شاء، ولا يكون سلبيًّا، وجعل الممثّل أيضًا يؤدّي أكثر من دور، فلا يتماهى مع الشّخصيّة، ولا يؤثّر في المُشاهد، واختيار مبدأ بساطة الدّيكور، وإمكان تعويضه ببعض اللّوحات ممّا يمكّن منْ عرض المسرحيّة في أيّ مكان فيخرج المسرح من القاعات الضّيقة ويقترب من النّاس، ويصبح فنًّا شعبيًّا، وكسر الإيهام فالسّيّاف يُقدّم رأس جابر للحكواتيّ، والحكواتيّ يقدّمه بدوره لزمرّد[51]، وأهل بغداد في الماضي يخاطبون الزّبائن (أهل بغداد) في الحاضر، وتجسيد مشهد قطع رأس جابر إيمائيًّا، أيْ تجسيد مشاهد العنف والقوّة عكس المسرح التّقليديّ الذي كان ينفر منْ هذا المبدأ خوفًا على المتلقّي منْ معايشة هذه المشاهد العنيفة، واختيار النّهاية غير المتوقّعة التي تخالف المغزى التّقليديّ، بجعل المأساة حتميّة تاريخيّة، لا حتميّة قدريّة ميتافيزيقيّة منْ خلال موت البطل، وهو ما يناقض المسرح التّقليديّ الذي ينتصر فيه البطل على أعدائه، وإيلام الجمهور عوض تطهيره من الخوف والعجز، واعتماد الارتجال الذي يجعل النّصّ متحرّكًا (Dynamique) وليس ثابتًا  (Statique) منفتحًا على إمكانات نصيّة متعدّدة.
إنّ هذه الخصائص الملحميّة في مسرحيّة ونّوس وهي خصائص حداثيّة استقاها من تجربة "برشت" أثبتت سعيه لإنتاج مسرح عربيّ جديد من حيث القصّة الجامعة بين التّاريخ القديم والتّاريخ المعاصر، وعناصره الفنيّة، ومكوّناته الفرجويّة، ومضامينه الجريئة، ومقاصده الثّوريّة، ودلالاته التي تقصد زعزعة ثبوتيّة الوعي العربيّ المترهّل الذي ظلّ يخشى التّغيير، وهي عناصر لا تُخفي بعدها التّسييسيّ، لكنّها لا تقصر عنْ تحقيق لذّة المسرح لأنّها بالأساس عناصر فنيّة.
·        نتائج البحث
1. موقف سعد الله ونّوس الرّافض للمسرح التّقليديّ بمختلف أنواعه وأنماطه: السّياسيّ والشّعبيّ والاجتماعيّ والكوميديّ والذّهنيّ والتّاريخيّ والتّراجيديّ (المأسوي).
2. الحلم ببناء مسرح عربيّ مخصوص، وتأصيل المسرح في البيئة العربيّة، وقد أثّرت فيه قولة المخرج الفرنسيّ "جون ماري سيرو": "من الخطأ أنْ تبنوا مسارح على الطّريقة الأوروبيّة، بوسعكم أنتم أنْ تساعدوا التّجربة المسرحيّة على الخروج من الأشكال المتجمّدة التي وصلت إليها في أوروبّا"[52].
3. اعتبار المسرح حدثًا اجتماعيًّا مهمًّا شديد التّأثير في الحياة الاجتماعيّة عامّةً، والإيمان بقولة "شكسبير" الشّهيرة‍: "أعطني مسرحًا، أعطيك شعبًا عظيمًا".
4. تقريب المسرح من المواطن العربيّ بخلق عناصر فنيّة جديدة تكسر الرّتابة والتّقليد.
5. استثمار بعض الرّوافد التّراثيّة في بناء النّصّ المسرحيّ، وطريقة إخراجه في شكل عمل تمثيليّ (Représentatif)، واستغلال النّصوص التّاريخيّة العربيّة لإنتاج نصوص مسرحيّة جادّة وجيّدة..
6. التّأثّر بالمسرح الملحميّ خاصّة مع برشت، وبيسكاتور.         
7. قدرة هذا النّصّ المسرحيّ على خلق لذّة المسرح التي توفّرت منْ عناصر فنيّة متعدّدة قامت في أغلبها على الطّرافة والغرابة والإدهاش، ومنها الانحراف أو العدول عن أصول المسرح التّقليديّ تراجيديًّا كان أو ملحميًّا، ونفي وظيفة التّطهير وتعويضها بوظيفة الإيلام، وكشف عورات البطل والسّلطة والمجتمع، والإكثار من الأحداث المفاجئة، إضافة إلى عناصر التّغريب التي استقاها منْ مسرح "برشت" الملحميّ.
8. إحكام المزج بين النّصّ التّراثيّ العربيّ القديم والعناصر المسرحيّة الحداثيّة الوافدة من الغرب الأوروبّيّ.
9 . إكساب النّصّ المسرحيّ لذّة أخرى من خلال قدرته على الجمع بين الإمتاع الفنّيّ عبر عناصر التّغريب، والإمتاع الفكريّ عبر تجلّيّات التّسييس.
·        خاتمة
لقد أكّد سعد الله ونّوس من خلال المكوّنات الفنيّة الحكائيّة والمسرحيّة لمسرحيّته "مغامرة رأس المملوك جابر" قدرته على إنتاج نصّ مسرحيّ طريف متميّز، يجمع بين النّهل من النّصّ الحكائيّ (السّرديّ الشّفويّ)، والاقتداء بأسس المسرح الملحميّ الحداثيّ التّغريبيّ مثلما تجلّى في تجربة "برشت" المسرحيّة، وأثب أنّه كان جادًّا في عمله المسرحيّ حين شقّ طريقًا جديدة مغايرة في المسرح العربيّ بعد "هزيمة 1967"، ونجح ـ وإنْ نسبيًّا ـ في تقديم صورة جديدة للمسرح العربيّ ومضامينه، ووظيفته، وجعل تجربته علامة لا يمكن لأيّ باحث مسرحيّ أو أدبيّ أنْ يتجاوز الاطّلاع عليها، وكان مشروعه المسرحيّ تغريبيّ الشّكل، تسييسيّ المضمون، ثوريّ المقصد، فكان بحقٍّ ذلك الفنّان المسرحيّ الذي يحمل حلم المسرحيّ العربيّ الذي يريد أنْ يرى المسرح في بلاده العربيّة يتطوّر فنيًّا، ويستعيد علاقته بالمتلقّي، ويؤدّي وظائفه الفنّيّة والتّوعويّة.
-----------------------
·         المصادر والمراجع:
1.     المصدر
ـ ونّوس (سعد الله)،
‌أ.         الأعمال الكاملة، دار الآداب، بيروت، لبنان، 2004.
‌ب.    الفيل يا ملك الزّمان ومغامرة رأس المملوك جابر، دار الآداب، الطّبعة السّابعة، 2007.
‌ج.     بيانات لمسرح عربيّ جديد، دار الفكر الجديد، 1988.
‌د.       رسالة يوم المسرح العالميّ لعام 1996م.
2.     المراجع:
·         بالعربيّة
ـ بدر الدّين عبد الرّحمان، التّراجيديا معرفيًّا وجماليًّا، دائرة الثّقافة والإعلام، الشّارقة، الإمارات العربيّة المتّحدة، الطّبعة الأولى، 2003.
ـ بن البحريّ (عبد المجيد)، مغامرة العلامة المسرحيّة في "مغامرة رأس المملوك جابر" لسعد الله ونّوس، قرطاج للنّشر والتّوزيع، صفاقس، الجمهوريّة التّونسيّة، 2009.
ـ بينتلي (إريك)، نظريّة المسرح الحديث، ترجمة يوسف عبد المسيح ثروت، العراق، 1975.
ـ رشيد (عدنان)، مسرح برشت، دار النّهضة العربيّة للطّباعة والنّشر، بيروت، 1988.
ـ عزّام (محمّد)، مسرح سعد الله ونّوس بين التّوظيف التّراثيّ والتّجريب الحداثيّ، دار علاء الدّين للنّشر والتّوزيع والتّرجمة، دمشق، سوريا، الطّبعة الأولى، 2003.
ـ عطيّة (حسن)، مقال "الوعي التّاريخيّ ومعادلة المثقّف ـ السّلطة"، مجلّة فصول، المجلّد16، العدد1، 1997.
·         بالفرنسيّة
-          Cohen (Jean), Structure du langage poétique, Flammarion, 1996.
-          Jakobson (Roman) , Huit questions de poétique , éd, Seuil, 1979.
-          Molino (Jean), Gardes-Tamine (Joëlle), Introduction à l’analyse du poésie, Presses Universitaires de France, Paris, 2eme édition, 1987.
-          -----------------, Le haut langage, Théorie de la poéticité, Flammarion, 1979.
-          Lotman (Iouri), La structure du texte artistique, N.R.F, Gallimard, 1973.



[1]  ـ صدر هذا البحث بمجلّة الموقف الأدبيّ التي يصدرها شهريًّا اتّحاد الكتّاب العرب بسوريا، العدد 544، آب 2016 الصّفحة 163.
[2]  ـ أستاذ باحث من الجمهوريّة التّونسيّة.



·         الهوامش
[1]  ـ سعد الله ونّوس، رسالة يوم المسرح العالميّ لعام 1996م.
[2]  ـ حسن عطيّة، الوعي التّاريخيّ ومعادلة المثقّف ـ السّلطة، مجلّة فصول، المجلّد16، العدد1، 1997، ص346.
[3]  ـ عدنان رشيد، مسرح برشت، دار النّهضة العربيّة للطّباعة والنّشر، بيروت، 1988، ص247.
[4]  ـ محمّد عزّام، مسرح سعد الله ونّوس بين التّوظيف التّراثيّ والتّجريب الحداثيّ، دار علاء الدّين للنّشر والتّوزيع والتّرجمة، سوريا، دمشق، الطّبعة الأولى، 2003، ص127.
[5]  ـ محمّد عزّام، المرجع نفسه، ص147.
[6]  ـ إريك بينتلي، نظريّة المسرح الحديث، ترجمة يوسف عبد المسيح ثروت، العراق، 1975، ص84.
[7]  ـ محمّد عزّام، المرجع نفسه، ص125.
[8]  ـ بدر الدّين عبد الرّحمان، التّراجيديا معرفيًّا وجماليًّا، دائرة الثّقافة والإعلام، والشّارقة، الإمارات العربيّة المتّحدة، الطّبعة الأولى، 2003، ص291.
[9]  ـ بدر الدّين عبد الرّحمان، المرجع نفسه، ص293.
[10]  ـ مثل مسرحيّات توفيق الحكيم خاصّة، ومنها "بيغماليون"، و"أهل الكهف" و"الملك أوديب".
[11]  ـ الأعمال الكاملة، دار الآداب، بيروت، الطّبعة الأولى، 2004، ص235.
[12]  ـ سعد الله ونّوس، بيانات لمسرح عربيّ جديد، دار الفكر الجديد، 1988، ص69.
[13]  ـ الأعمال الكاملة، الجزء الثّالث، ص455.
[14]  ـ بدر الدّين عبد الرّحمان، التّراجيديا معرفيًّا وجماليًّا، ص142.
[15]  ـ بدر الدّين عبد الرّحمان، المرجع نفسه، ص291.
[16]  ـ بدر الدّين عبد الرّحمان، المرجع نفسه، ص293.
[17]  ـ سعد الله ونّوس، الأعمال الكاملة، ص233.
[18]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص233.
[19]  ـ محمّد عزّام، مسرح سعد الله ونّوس بين التّوظيف التّراثيّ والتّجريب الحداثيّ، ص141.
[20]  ـ سعد الله ونّوس، الأعمال الكاملة، ص234.
[21]  ـ سعد الله ونّوس، بيانات لمسرح عربيّ جديد، ص42.
[22]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه ، ص42.
[23]  ـ نشير هنا إلى أنّ مصطلح العدول مصطلح نقديّ خاصّ بمجال الشّعريّة (La poétique) ظهر عند علماء الشّعريّة في أوروبّا منْ أمثال "جون كوهين"(Jean Cohen) في كتابيه " Structure du langage poétique, Flammarion, 1996 Le haut langage, Théorie de la poéticité, Flammarion, 1979، و"يوري لوتمان" (Iouri Lotman) في كتابه " La structure du texte artistique, N.R.F, Gallimard, 1973" و"رومان جاكبسون" (Roman Jakobson) في كتابه "9 Huit questions de poétique , éd, Seuil, 197" و"جون مولينو" (Jean Molino) و"جووال غارد تامين" (Joëlle Garde-Tamine) في كتابهما " Introduction à l’analyse du poésie, Presses Universitaires de France, Paris, 2eme édition, 1987."، وتلقّفه النّقّاد العرب، ويقصدون به البحث في مظاهر اختلاف النّصّ الشّعريّ عن النّصوص النّثريّة عامّة، واختلاف النّصوص الشّعريّة الحديثة منْ حيث خصائصها التّركيبيّة المختلفة عن النّصوص الشّعريّة القديمة والتّقليديّة، ونحن نستعمله في هذه الدّراسة لنخرجه من هذا الإطار البحثيّ الضّيّق لأنّنا نعتقد أنّ النّصّ الأدبيّ خاصّة والفنّيّ عامّة لا يحقّق فرادته إلاّ منْ خلال ما ينجزه منْ عدول عن النموذج، ونطبّقه على مسرحيّة سعد الله ونّوس "مغامرة رأس المملوك جابر"، لنرى كيف اختلفت منْ حيث كثير منْ عناصرها عن النّصّ المسرحيّ التّقليديّ، والنّصوص المسرحيّة العربيّة الشّائعة في الفترة الزّمنيّة التي أُلّفت فيها.
[24]  ـ حوار أجرته ماري إلياس مع ونّوس بعنوان "الحياة مسرح تجاريّ تزيحه الكتابة"، مجلّة "الكرمل"، العدد 64، صيف 2000، منقول عن: عبد المجيد بن البحريّ، مغامرة العلامة المسرحيّة في "مغامرة رأس المملوك جابر" لسعد الله ونّوس، قرطاج للنّشر والتّوزيع، صفاقس، 2009، ص23.
[25]  ـ انظر: بدر الدّين عبد الرّحمان، التّراجيديا معرفيًّا وجماليًّا، ص144.
[26]  ـ سعد الله ونّوس، الفيل يا ملك الزّمان ومغامرة رأس المملوك جابر، دار الآداب، بيروت لبنان، الطّبعة السّابعة، 2007، ص84.
[27]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص166.
[28]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص84.
[29]  ـ الأعمال الكاملة، الجزء الثّالث، ص441.
[30]  ـ المصدر نفسه، الجزء الثّالث، ص442.
[31]  ـ سعد الله ونّوس، الفيل يا ملك الزّمان ومغامرة رأس المملوك جابر، الأعمال الكاملة، ص108.
[32]  ـ انظر: سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص106.
[33]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص161.
[34]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص ص164، 165.
[35]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص164.
[36]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، 108.
[37]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص162.
[38]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص164.
[39]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص167.
[40]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص167.
[41]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص164.
[42]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص84.
[43]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص85.
[44]  ـ انظر: سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص ص130، 132.
[45]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص96.
[46]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص63.
[47]  ـ عنْ جريدة القدس العربيّ، حزيران/ يونيو، 2004.
[48]  ـ بدر الدّين عبد الرّحمان، التّراجيديا معرفيًّا وجماليًّا، ص149.
[49]  ـ سعد الله ونّوس، الفيل يا ملك الزّمان ومغامرة رأس المملوك جابر، ص59.
[50]  ـ سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص85.
[51]  ـ انظر: سعد الله ونّوس، المصدر نفسه، ص ص163، 166.
[52]  ـ منقول عن: محمّد عزّام، مسرح سعد الله ونّوس بين التّوظيف التّراثيّ والتّجريب الحداثيّ ، ص16.


Aucun commentaire: