mercredi 18 septembre 2013

أدب الفكاهة في التراث العربي

أدب الفكاهة في التراث العربي
نعمان النقاش

   أدب الفكاهة من الآداب الشيّقة والممتعة فهي (نزهة النفس وربيع القلب ومرتع السمع ومجلب الراحة ومعدن السرور) ولا يمكن أن نتصور العالم من دون فكاهة أو نتصور الحياة عابسة مقطبة الجبين مكفهرة المظهر وإذا كان هذا مستطاعاً فمن الذي يطيقها ويرضاها. أن الحياة بغير ضحك عبء ثقيل لا يحتمل وكما قال الرسول (ص): (روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت). فالفكاهة انتشرت علي مر العصور والتاريخ الأدبي لكل شعوب الأرض، وبينت ما لحاجة الفرد والمجتمع من أدب كهذا. ولأهميته في حياة الناس شغل العلماء والمثقفون بله الأدباء والشعراء، فهذا مكدوجل يقول: (إن الضحك يستخدم الأعصاب والعضلات فهو غريزة مهمة)، والضحك حسب ما توصل إليه العلم الحديث يعيد للإنسان أنسه وأمله وطبيعته، بل انه يسهم في شفاء بعض الأمراض التي أصابت عالمنا المعاصر، ولذلك كانت الفكاهة تطغي عقب المحن التي تمر بها الشعوب، فينتشر المسرح الكوميدي والشعر الساخر والمواقف الضاحكة مثل (البشاشة، البهجة، الجذل، السرور، الضحك، الطرب، الظرف، المزحة،.. الخ)، بل إنهم وسعوا من ألفاظ الضحك وأكثروها لتستوعب كل حالاته، فالابتسامة أول مراتب الضحك ثم الاهلاس ثم الهنوف ثم الافترار ثم الكتكتة ثم القرقرة ثم الطخطخة ثم الهزق ثم الهرزقة وهو أسوأ الضحك. وقد اشتهر كتّاب بالأسلوب الساخر كالجاحظ وأبي دلامة ومن مواقفه الساخرة دخوله علي المهدي بوجود وزيره حين وضعه المهدي في موقف حرج فقال له: (أبا دلامة لا تبرح مكانك حتى تهجو أحد الثلاثة) أي أما المهدي أو وزيره أو نفسه، فإن هجاء نفسه أقل ضرراً، فقال:
ألا أبـلغ أبـا دلامــة فليس من الكرام ولا كرامة
إذا لبس العمامة كان قرداً وخنزيراً إذا وضع العمامة
وإن لزم العمامة كان فيها كقردٍ ما تفارقـه الدمامـة
   بل إن الفكاهة كانت تفرض نفسها حتى علي الكتاب الذين التزموا بالجد وتناولوا موضوعات في غاية الجدية، كـ(عيون الأخبار لابن قتيبة)، (والإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي) كما أفردت كتب للفكاهة كـ(البخلاء للجاحظ) و(الظراف والمتماجنون لابن الجوزي) و(الفاشوش في حكم قراقوش لابن مماتي) واشتهرت قصائد في الهجاء كـ (القصيدة الدبدبية لعلي المغربي):
أي دبدبا تدبدبـي أنـا علـي المـغربـي
أنا الذي أسد الثري في الحرب لا تحتفل بي
ولا عرفت النحـو غير الجر بالمـنتصـب
ولا عرفت من عروض الشعـر غيـر السـبب
     إلا الفكاهة لم تجر علي طبيعتها دائماً بل كانت أحياناً تستخدم للأغراض غير الترفيهية عن النفس، كأن تكون لأغراض الشكوى أو التهكم والسخرية اجتماعياً أو سياسياً، فمن الشعر الذي نظم للشكوى في إطار الفكاهة للشكوى من الفاقة والتخلف كقول الشاعر المصري الشهير بابن الأعمى:
دار سكـنت بها أقل صفاتهـا أن تكثر الحشرات في جنباتها
وبها ذباب كالضباب يسد عين الشمس ما طربي سوي غناتها
وبها من الجرذان ما قد قصرت عنه العتاق الجرد في حملاتها
     وفي مجال الفكاهة الاجتماعية كثر الأدب الفكاهي وحمل علي عاتقه إبراز عيوب حالات اجتماعية أو طبقات اجتماعية معينة، مسلطاً عليها الأضواء. كما نجد في المسرح الموليري الذي أبرز التصرفات المعيبة للبرجوازية في (البرجوازي النبيل) وسخر من نسائهم (المتحذلقات) ومن طبقة علماء الدين المنافقين في (طرطوف). ونجد الهجاء يقوم عند العرب بإبراز عيوبهم الخلقية وأشهرها البخل، وأشعار البخل كثيرة وطريفة منها قول ابن الرومي:
يقـتر عيسي علي نفسـه وليس بباقٍ ولا خالد
ولو يستطيع لتقتيره تنفس من منخرٍ واحد
 وقول الآخر:    سيان كسر رغيفه أو كسر عظم من عظامه
    والشعر السياسي يحفل بالفكاهة، إذ إن الشاعر يهرب من بطش حاكمه باستخدام الفكاهة التي تصل أحياناً إلي حد السخرية والتهكم، فيطرح قضاياه طرحاً يدعو إلي الضحك. وليس يخفي علي السامع ألم الشاعر الممض:
خليفة مات لم يحزن له أحد             وآخر جاء لم يفرح به أحد
    ومن ذلك قول البهاء زهير هاجياً ابن صاعد الفائزي:
لعن الله صاعـداً وأباه فصاعـداً          وبنيـه فنـازلاً واحداً ثم واحداً
     ولم تقف الفكاهة عند حد الأدب الراقي الذي تكتبه الطبقة المثقفة أو الطبقة الأولي في المجتمع- كما يقولون- بل إن الفكاهة لتأصلها وتغلغلها في بنية كل المجتمعات أصبحت ضمير الأمة ولسان حال الناس البسطاء، فتكلمت عن همومهم اليومية ومعاناتهم الصميمية، فكانت شخصية المضحك الذي يصنع المفارقات. وتدور حكايات البطل الشعبي الأكبر جحا في إطار المعاناة من الفقر ولوم الزوجة دائماً، وسيطرتها علي كثير من المواقف، وجحا شخصية مركبة وليست بسيطة. وقد طرحت شخصية جحا لتتكلم عن هموم العالم، وهي متكررة في كل الأمم والشعوب كالترك والفرس وحتى الغرب، فإن المهرج (جوكر) إنما كانت من اشتقاقات جحا أو بديلاته، وقد عنيت الدراسات المقارنة بهذا عناية كبيرة.
    وبعد، فإن أدب الفكاهة من الآداب المهمة والحية في حياة الإنسان، وهي تفرض علينا أن نرفدها وننميها لأنها شكل سامٍ من أشكال التعبير عن هموم الناس والترويح عنهم وتخليصهم من الهموم وأعباء النكسات.
***

ان الضحك امر مهم بالنسبة للآأنسان , تنزع اليه النفس الانسانية فتجد فيه طمأنينة وراحه وتنشرح الصدور ..... فالضحك طبيعه بشرية تلقي على الحياة ستارا من اللآواقعية فترفع عن الانسان هموم حياته وتدفعه للتفاؤل وللنظر بفرح الى المستقبل 
لقد عرف بعضهم الانسان بانه (( حيوان ضاحك )) يتميز بضحكه عن بقية الحيوانات كما يتميز عنهم بالنطق. ويعبر الانسان بالابتسامه عن كثير من الامور , فهناك ابتسامة الملآطفه وابتسامة التشجيع وابتسامة السخرية وابتسامة الاغراء بالاضافة الى دور الابتسامهكأداة لتحقيق التعاطف والتفاهم بين الناس كما وان الابتسامه تعبر عن الرغبة في التواصل مع الاخرين فهي تمهد للضحك الذي يجمع الناس مهما كانت فئاتهم مختلفة
الهدف الرئيسي في النوادر هو اثارة الضحك لكن لايستجيب الناس جميعهم للنوادر بنفس الدرجة . وبالتالي فان لكل نوع من النكات جمهورها . هناك اشخاص لاتضحكهم الا النكات الماجنة والبذيئة بينما الاخرون لاتضحكهم الا النكات الذكية ويرفضون كل ماعداها... فالفكاهة لاتهدف دائما للآأضحاك فقط بل انها تقوم بوظيفة النقد والدعوة الى الاصلاح.
الضحك ظاهرة جماعيه معديه كالتثاؤب والحكاك ودليل ذلك اننا قد نضحك قبل ان نعرف سبب ضحك الاخرين
لايخلو الادب في اي عصر من العصور من الفكاهة باستثناء ادب الفكاهة في العصر الجاهلي الذي لم يصلنا وذلك لندرته بسبب ظروف حياة الباديه القاسيه والبعيدة عن الترف والنعيم .. لكن في صدر الاسلام بدأت النوادر تظهر في الادب خاصة مع بداية حياة الاستقرار التي عرفها العرب في المدن ... وظهر في هذا العصراشخاص مرحون يزرعون الضحك حولهم... اما العصر الاموي فقد نمت الفكاهة في حضن النقائص التي تعتمد على الهجاء المتبادل فتناثرت النوادر في الاشعار وفي النثر وظهرت شخصيات لطيفه كأشعب وابو دلامه , ثم جاء العصر العباسي المنفتح على الحضارات فنبغ اشخاص في فن الاضحاك كأبن الرومي والجاحظ وانتشر الندماء والظرفاء في القصور ونالوا حظوة عند الخلفاء والامراء.
ان من خصائص ادب الفكاهة الخفة والظرافة ويشترط في الفكاهي ان يكون صاحب ذكاء يجعله يبحث عن الحيلة ويتدبر الخطط وينسج خيوطها .. ويمتاز بنظرة الثاقب وبموهبته الاصلية التي تضفي عليه خفة ولطفا فتأتي فكطاهته لبقه غير مصطنعه تفيض بالعذوبة ... وترد الفكاهة على شكل قصة قصيره موجزة ساخرة تقوم احيانا كثيرة على اساس النقد وتتميز بالخروج عن المألوف
مارأيكم ان يضاف الى ديوان الادب العربي موضوعا اخر بعنوان اضحك مع فكاهة الادب العربي للتسلية اولا والاستراحة ثانيا ولابد وان فيها فائدة لصقل
اللغه والتمرس على قراءة الشعر وكتابته على شرط ان نبتعد عن الكلمات البذيئة حيث قلما ترد في فكاهة الادب العربي مثل هذه الكلمات وان رويت فانها تروى بغير ماقيلت من لدن المصدر وسأبدا ببعض منها :

*
عاد رجلا مريضا فقال لاهله : اجركم الله ؟ فقالوا لكنه حي لم يمت
فقال : يموت ان شاء الله

*
قال اشعب : اضجرني الصبيان يوما , فأردت ان اشغلهم , فقلت لهم : ان 
بموضع كذا عرسا فامضوا اليه فلما مضوا ضننت اني صدقتهم فتبعتهم

*
قال اشعب : تبعت الضحاك بن مخلد وهو يريد منزله فالتفت الي وقال : مالك 
يااشعب ؟ قلت : ياابا عاصم , رأيت قلنسوتك قد مالت فتبعتك لعلها تسقط 
فآخذها . فنزعها من رأسه واعطانيها

*
استأذن حاجب ابن زراره على كسرى فقال له الحاجب : من انت ؟ قال : رجل 
من العرب . فلما دخل قال لهكسرى من انت قال : سيد العرب فقال له 
الحاجب الم تقل انك رجل من العرب ؟ قال وقفت بباب الملك وانا رجل منهم 
فلما صرت اليه سدتهم . فضحك كسرى وقال احشوا فاه درا
*
قال ابو حنيفة النعمان : احتجت الى ماء في البادية فجاء اعرابي معه قربة 
فأبى ان يبيعها الا بخمسة دراهم فاشتريتها منه ثم قلت : مارأيك في السويق 
؟ فقال : هات , فاعطيته سويقا بزيت فاكل حتى امتلآ فعطش , فقال شربة 
فقلت : بخمسة دراهم . فشرب قدحا واسترددت دراهمي وبقي الماء

*
رأى بشارة الخوري المعروف بالاخطل الصغير امأة جميله تشكو فقرها وتبكي فقال :
شكت فقرها فبكت لؤلؤا تساقط من جفنها فانتشر
فقلت مشيرا الى دمعها افقر وعندك هذي الدرر

*
صدم اعور في بعض الاسواق امرأة فالتفتت اليه وقالت : " اعمى الله 
بصرك "فقال ( ياسيدتي قد استجاب الله نصف دعائك)