dimanche 17 mai 2009

مسرحيّة "بيقماليون" لتوفيق الحكيم

بيغماليون ومأساة الفنّان
بين المثال والواقع/ وبين المطلق والنّسبيّ
عبد الوهاب الشتوي1/ صفاقس
الجمهوريّة التّونسيّة
يُعدّ توفيق الحكيم (1898 ـ 1987) من أهمّ الكتّاب المسرحيين العرب، وقد انشغل بالمسرح منذ صباه، ورغب في التّوجّه إليه دراسةً وبحثًا وتأليفًا، غير أنّ أبويه منعاه من ذلك ووجّهاه نحو دراسة الحقوق، ثمّ أرسلاه إلى فرنسا لمتابعة الدّراسة والحصول على الشّهائد العليا في ذلك الميدان، ويعود إلى مصر قاضيًا. فوجد الفرصة مناسبة للاهتمام بالفنّ المسرحيّ والتّعرّف إليه من قرب في أهمّ مدن الثّقافة العالميّة آنذاك، وهي باريس عاصمة الأنوار، والحريّة، والفنون والآداب.
وقد ألّف توفيق الحكيم مسرحيّات عديدة، وعرف مراحل مسرحيّة مختلفة، منها المسرح السّياسيّ، والمسرح الاجتماعيّ، والمسرح الذّهنيّ الفلسفيّ الذي تنتمي إليه مسرحيّات "أهل الكهف" و"أوديب" و"بيغماليون".
ولقد تأثّر توفيق الحكيم بالمسرح اليوناني في شكله وقضاياه، واستغلّ الأسطورة لبناء أفكاره، وجعل مسرحه منشغلاً بالقضايا الذّهنيّة مثل الأزمة التي يعيشها الإنسان بين القضاء والقدر، أو الصّراع مع الزّمن، أو الأزمة التي يعيشها الفنّان بين ما يرسمه في خياله من أفكار مثاليّة، وما يعيشه في الواقع من نقائص وعيوب، أي بين الحلم والواقع، وبين الموجود والمنشود، وبين الفكرة المثاليّة والمنجز الواقعيّ، وقد جسّد معالم هذه الأزمة في مسرحيّة "بيغماليون".
ومن أهمّ خصائص هذه المسرحيّة:
1 ـ الالتزام ببناء المسرح التّقليدي:
التزم توفيق الحكيم في مسرحه الذّهني المتأثّر بالمسرح اليوناني التّقليدي بخصائص هذا المسرح البنائيّة، ويشترط اليونانيون أنْ تخضع المسرحيّة للوحدات الثلاث، التي يقال إنّ "أرسطو" قد ضبطها، ولكنْ هناك منْ يفنّد ذلك ويعتبر أنّ هذه الوحدات الثّلاث قد ضبطها المسرحيّون الكلاسيكيّون في أوروبا في عصر النّهضة، ونُسبت إلى أرسطو خطاً. والوحدات هي وحدة الحدث أو الموضوع ووحدة الزّمان ووحدة المكان، ومن مظاهر التزام الحكيم بذلك:
أـ وحدة الحدث:
الاكتفاء بمركز اهتمام رئيسيّ: الصّراع بين الفنّ والواقع من خلال أزمة بيغماليون بين غالاتيا الفنّ التي تمثّل الكمال، وغالاتيا الواقع التي تمثّل النّقص، بين غالاتيا المرأة/ الرّمز، والمرأة/ المثال، وغالاتيا المرأة/ الواقع، والمرأة/ الحقيقة.
ب ـ وحدة الزّمان: زمن الحدث، والزّمن المسرحيّ:
غياب الإشارات الزّمانيّة الدّقيقة وكأنّ القصّة دامت يومًا واحدًا، أي أربعا وعشرين ساعة كما هو محدّد في المسرح اليوناني، إذ يشترط المسرحيّون اليونانيّون أنْ تكون المدّة الزّمنيّة لأحداث القصّة متآلفة مع المدّة الزّمنيّة للمشاهدة، وذلك أنّ المشاهد لا يتصوّر امتدادًا زمنيًّا كبيرًا في أحداث المشاهد الممثّلة، وهو باقٍ في مكانه لا يتحرّك، ويفسّر لنا ذلك ارتباط الفنّ لدى اليونانيين بالمحاكاة، فالمشهد التّمثيليّ لا بدّ أنْ يوازي الواقع الفعليّ.
ج ـ وحدة المكان:
تدور أغلب الأحداث في منزل بيغماليون باستثناء المكان الذي هربت إليه غالاتيا مع نرسيس.
ومن الشّروط الأخرى أيضًا:
د ـ اللّياقة: لا يعرض على المتفرّج ما يصدمه، فتتجنّب مشاهد العنف والقسوة، والمشاهد غير الأخلاقيّة. ومسرحيّة "بيغماليون" لم تعرض أيّ مشهد عنيف، فبيغماليون لم يعنّف غالاتيا على هروبها مع نسرين ولو عبر العنف اللّفظيّ، وعدم تصوير مشهد الهروب، واللّجوء إلى الكوخ، وتحقّق الخلوة بين غالاتيا ونرسيس.
هـ ـ الاحتمال أو المحاكاة: لا يُعرض على المسرح ما لا يمكن أنْ يصدّقه المتفرّج.
2 ـ غلبة الحوار على الإشارات الرّكحيّة:
وقد فسّر الحكيم ذلك بكونه كتب المسرحيّات الذّهنيّة من أجل أنْ تقرأ لا أنْ تمثّل، وقد قال: "إنّني كتبت هذه المسرحيّات وفي ذهني أنّ المطبعة قد اخترعت". ولذلك فنحن لا نجد عناية كبرى بملامح الشّخصيّات الماديّة، ولا بعناصر الرّكح، ولا بالمؤثّرات الخارجيّة.
3 ـ مراحل المسرحيّة:
أ ـ مرحلة العرض والتّمهيد: بيغماليون في منزله أمام التّمثال، وفينوس تتحاور مع أبولون.
ب ـ مرحلة تصاعد الأفعال: بيغماليون يعبّر عن رغبته في الحصول على المرأة الحبيبة، وتمكّنه الآلهة من ذلك، وهروب غالاتيا مع نرسيس.
ج ـ مرحلة الذّروة: هروب غالاتيا مع نرسيس.
د ـ مرحلة التّهاوي: عودة غالاتيا وشعورها بالذّنب، وعجز بيغماليون عن استرداد النّظرة الأولى إليها.
هـ ـ مرحلة الفاجعة: كسر بيغماليون تمثال غالاتيا، وعودته وحيدًا كما كان، وتلك هي النّهاية المأسويّة الحتميّة في التّراجيديا التّقليديّة.
ب ـ مرحلة تصاعد الأفعال:
4 ـ أطوار مأساة بيغماليون:
1 ـ يصنع الجمال ولا يتمتّع به إذ يعيش وحيدًا غريبًا لا تشاركه المرأة حياته لموقفه السّلبيّ منها، فهو ينظر إلى المرأة نظرة دونيّة، يستنقصها ويراها كائنًا ساذجًا أحمق، لا يتعلّق في الحياة إلاّ بالأشياء العرضيّة الزّائلة، ولا يفهم الحقائق الجوهريّة الخالدة، مثل الفنّ.
2 ـ حصوله على المرأة التي حلم بها غير أنّها تخونه وتهرب مع الحارس نرسيس.
3 ـ عودة زوجته غالاتيا إليه، غير أنّها تفقد صورتها المثاليّة وتصبح امرأة عاديّة كغيرها من النّساء البشريّات (آه وفي يدها مكنسة)، ولا يستطيع استعادة النظرة التي كان ينظر إليها من خلالها حين كانت تمثالاً، لقد تشوّهت الصّورة ولم يعد يراها ذلك الكائن المثاليّ.
4 ـ عودة غالاتيا إلى صورة التّمثال والإحساس بفقدان الزّوجة واستعادة الإحساس بالوحدة.
5 ـ تكسير التّمثال والإحساس بالنّدم لقتله زوجته، والعودة إلى الوحدة.
ج ـ أزمة الفنّان مع الواقع:
وجد بيغماليون نفسه يعيش أزمة تراجيديّة فهو أراد أن يجسّد عظمة الفنّ وكماله ومثاليّته على أرض الواقع، وأراد أن يصنع زوجة ملائكيّة صاغها من الخيال، ومن علم الحلم الجميل، غير أنّها حين أصبحت امرأة حقيقيّة خالفت الصّورة المثاليّة لأنّها هربت مع نرسيس ففظّلت الواقع والجمال الآني الزّائف على الفنّ الخالد، وكشفت لبيغماليون أنّ الواقع لا يمكنه أن استيعاب الأفكار المثاليّة والأحلام العجائبيّة. واقتنع بيغماليون بأنّ الفنّ يظلّ دومًا حلمًا غريبًا عن الواقع، أي أنّ الفنّ عالم لا محدود متحرّر من قيود الزّمان والمكان، بينما الواقع عالم محدود بكلّ تلك القيود.
· الخصائص الفنيّة:
1 ـ الإشارات الرّكحيّة:
تمثّل صوت المؤلّف، وهي المعلومات التي يقدّمها لمساعدة القارئ على تصوّر المشهد، ومساعدة الممثّل على أداء دوره، ومساعدة المخرج على إنجاز العمل التّمثيليّ، وأهمّ وظائفها:
أ ـ الوظيفة التأطيريّة: تأطير الحدث زمانًا ومكانًا، وتقديم ملابسات الحدث المسرحيّ أثناء البداية خاصّة.
ب ـ الوظيفة: المرجعيّة: الإحالة على واقع تاريخيّ أو اجتماعيّ.
ج ـ الوظيفة الاستبطانيّة: تصوير الحالة النّفسيّة للشّخصيّات المسرحيّة، ومحاولة الإحاطة بعالمها الدّاخليّ.
د ـ الوظيفة الدّراميّة: المساهمة في تطوير الحدث المسرحيّة، وتطوير نسق الحركة الدّراميّة، وتكثيف مظاهر الصّراع بين مختلف الأطراف (بين غالاتيا وبيغماليون).
2 ـ الحوار:
يضطلع الحوار بالوظائف التّالية:
أ ـ الوظيفة التّصويريّة:
ب ـ وظيفة تقديم الشّخصيّة أو الحدث.
ج ـ الوظيفة الإخباريّة: تقديم حدث سابق أو معلومة غائبة لا يدركها المتفرّج أو القارئ.
د ـ الوظيفة الإقناعيّة: حين يكون الحوار ذا صبغة حجاجيّة.
هـ ـ الوظيفة الدّراميّة: تنمية الحدث الدّراميّ ودفعه نحو بلوغ الذّروة المأسويّة.
ز ـ الوظيفة التّأثيريّة: التّأثير في المتقبّل بتخليصه من مشاعر الخوف، وتطهيره من الشّعور بالرّعب، ودفعه إلى التّعاطف مع البطل التّراجيديّ، أو الملحميّ.
· الخاتمة:
استطاع الحكيم أن يقلّد المسرح اليوناني في أهمّ مظاهره ليعبّر به عن قضايا ذهنيّة مازالت تؤرّق الإنسان إلى اليوم، واستطاع أن يعبّر عن فكرته السلبيّة عن المرأة بواسطة الأسطورة اليونانيّة، وليبيّن أنّ طلب المثاليّة والكمال في المرأة وفي الواقع أمر عبثيّ لا جدوى من ورائه، كما عبّر عن صراع الإنسان بين الحلم والواقع، والموجود والمنشود
.

1 commentaire:

Unknown a dit…

thank you for this elaborate work on Pygmalion
am really interested in this work
thanks a lot